فتنحر. وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة. فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي ﷺ بالعين فأجابهم ؛ فلما مر النبي ﷺ أنشد :

قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معيون
فعصم الله نبيه صلي الله عليه وسلم ونزلت :﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ﴾. وذكر نحوه الماوردي. وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا - يعني في نفسه وماله - تجوع ثلاثة أيام، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ؛ فيصيبه بعينه فيهلك هو ومال ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية. قال القشيري : وفي هذا نظر ؛ لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض ؛ ولهذا قال :﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن.
قلت : أقوال المفسرين واللغويين تدل على ما ذكرنا، وأن مرادهم بالنظر إليه قتله. ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك. وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش وأبو وائل ومجاهد " لَيُزْهقُونَكَ " أي ليهلكونك. وهذه قراءة على التفسير، من زهقت نفسه وأزهقها. وقرأ أهل المدينة ﴿ لَيُزْلِقُونَكَ﴾ بفتح الياء. وضمها الباقون ؛ وهما لغتان بمعنى ؛ يقال : زلقه يزلقه وأزلقه يزلقه إزلاقا إذا نحاه وأبعده. وزلق رأسه يزلقه زلقا إذا حلقه. وكذلك أزلقه وزلقه تزليقا. ورجل زلق وزملق - مثال هدبد - وزمالق وزملق - بتشديد الميم - وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ؛ حكاه الجوهري وغيره. فمعنى الكلمة إذا التنحية والإزالة ؛ وذلك لا يكون في حق النبي ﷺ إلا بهلاكه وموته. قال الهروي : أراد ليعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك. وقال ابن عباس : ينفذونك بأبصارهم ؛ يقال : زلق السهم وزهق إذا نفذ ؛


الصفحة التالية
Icon