فصوره حتى ماتوا كلهم فصورهم. وتنقصت الأشياء كما تتنقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين. فقال لهم الشيطان : مالكم لا تعبدون شيئا ؟ قالوا : وما نعبد ؟ قال : آلهتكم وآلهة آبائكم، ألا ترون في مصلاكم. فعبدوها من دون الله ؛ حتى بعث الله نوحا فقالوا :﴿لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾ الآية. وقال محمد بن كعب أيضا ومحمد بن قيس : بل كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم تبع يقتدون بهم، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم، وليتسلوا بالنظر إليها ؛ فصورهم. فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها ؟ فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر. فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت.
قلت : وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة : أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية، فيها تصاوير لرسول الله ﷺ ؛ فقال رسول الله ﷺ :"إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة". وذكر الثعلبي عن ابن عباس قال : هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح ؛ فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم تذكروهم بها ؛ ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت من دون الله. وذكر أيضا عن ابن عباس : أن نوحا عليه السلام، كان يحرس جسد آدم عليه السلام على جبل بالهند، فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره ؛ فقال لهم الشيطان : إن هؤلاء يفخرون عليكم ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم، وإنما هو جسد، وأنا أصور لكم مثله تطوفون به ؛ فصور لهم هذه الأصنام الخمسة وحملهم على عبادتها. فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء ؛ فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب. قال الماوردي : فأما ود