الثالثة- قال ابن العربي :"إن قيل لم جعل نوح دعوته على قومه سببا لتوقفه عن طلب الشفاعة للخلق من الله في الآخرة ؟ قلنا قال الناس في ذلك وجهان : أحدهما : أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة ؛ والشفاعة تكون عن رضا ورقة، فخاف أن يعاتب ويقال : دعوت على الكفار بالأمس وتشفع لهم اليوم. الثاني : أنه دعا غضبا بغير نص ولا إذن صريح في ذلك ؛ فخاف الدرك فيه يوم القيامة ؛ كما قال موسى عليه السلام :"إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها". قال : وبهذا أقول".
قلت : وإن كان لم يؤمر بالدعاء نصا فقد قيل له :﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ فأعلم عواقبهم فدعا عليهم بالهلاك ؛ كما دعا نبينا صلي الله عليه وسلم على شيبة وعتبة ونظرائهم فقال :"اللهم عليك بهم" لما أعلم عواقبهم ؛ وعلى هذا يكون فيه معنى الأم بالدعاء. والله أعلم.
الرابعة- قوله تعالى :﴿دَيَّاراً تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾ أي من يسكن الديار ؛ قاله السدي. وأصله ديوار على فيعال من دار يدور ؛ فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى. مثل القيام ؛ أصله قيوام. ولو كان فعالا لكان دوارا. وقال القتبي : أصله من الدار ؛ أي نازل بالدار. يقال : ما بالدار ديار ؛ أي أحد. وقيل : الديار صاحب الدار.
الآية :[٢٨] ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً﴾
قوله تعالى :﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ دعا لنفسه ولوالديه وكانا مؤمنين. وهما : لمك بن متوشلخ وشمخى بنت أنوش ؛ ذكره القشيري والثعلبي. وحكى الماوردي في اسم أمه منجل.