الصف للمبارزة خلاف على قولين أحدهما : أنه لا بأس بذلك إرهابا للعدو، وطلبا للشهادة وتحريضا على القتال. وقال أصحابنا : لا يبرز أحد طالبا لذلك، لأن فيه رياء وخروجا إلى ما نهى الله عنه من لقاء العدو. وإنما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر ؛ كما كانت في حروب النبي ﷺ يوم بدر وفي غزوة خيبر، وعليه درج السلف. وقد مضى القول مستوفى في هذا في "البقرة" عند قوله تعالى :﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
الآية :[٥] ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾
قوله تعالى :﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ لما ذكر أمر الجهاد بين أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد وجاهدا في سبيل الله ؛ وحل العقاب بمن خالفهما ؛ أي واذكر لقومك يا محمد هذه القصة.
قوله تعالى :﴿يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ وذلك حين رموه بالأدرة ؛ حسب ما تقدم في آخر سورة "الأحزاب". ومن الأذى ما ذكر في قصة قارون : إنه دس إلى امرأة تدعي على موسى الفجور. ومن الأذى قولهم :﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾. وقولهم :﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا﴾ وقولهم : إنك قتلت هارون. وقد تقدم هذا. ﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ والرسول يحترم ويعظم. ودخلت "قد" على "تعلمون" للتأكيد ؛ كأنه قال : وتعلمون علما يقينا لا شبهة لكم فيه. ﴿فَلَمَّا زَاغُوا﴾ أي مالوا عن الحق ﴿أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ أي أمالها عن الهدى. وقيل :﴿فَلَمَّا زَاغُوا﴾ عن الطاعة ﴿أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ عن الهداية.