عليه : يداه بما بطش بهما، ورجلاه بما مشى عليهما، وعيناه بما أبصر بهما. والبصيرة : الشاهد. وأنشد الفراء :
كأن على ذي العقل عينا بصيرة | بمقعده أو منظر هو ناظره |
يحاذر حتى يحسب الناس كلهم | من الخوف لا تخفى عليهم سرائره |
ودليل هذا التأويل من التنزيل قوله تعالى :
﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وجاء تأنيث البصيرة لأن المراد بالإنسان ها هنا الجوارح، لأنها شاهدة على نفس الإنسان ؛ فكأنه قال : بل الجوارح على نفس الإنسان بصيرة ؛ قال معناه القتبي وغيره. وناس يقولون : هذه الهاء في قوله :"بصيرة" هي التي يسميها أهل الإعراب هاء المبالغة، كالهاء في قولهم : داهية وعلامة وراوية. وهو قول أبي عبيد. وقيل المراد بالبصيرة الكاتبان اللذان يكتبان ما يكون منه من خير أو شر ؛ يدل عليه قوله تعالى :
﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ فيمن جعل المعاذير الستور. وهو قول السدي والضحاك. وقال بعض أهل التفسير : المعنى بل على الإنسان من نفسه بصيرة ؛ أي شاهد فحذف حرف الجر. ويجوز أن يكون "بصيرة" نعتا لاسم مؤنث فيكون تقديره : بل الإنسان على نفسه عين بصيرة ؛ وأنشد الفراء :
كأن على ذي العقل عينا بصيرة
وقال الحسن في قوله تعالى :
﴿بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ يعني بصير بعيوب غيره، جاهل بعيوب نفسه.
﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ أي ولو أرخى ستوره. والستر بلغة أهل اليمن : معذار ؛ قاله الضحاك وقال الشاعر :
ولكنها ضنت بمنزل ساعة | علينا وأطت فوقها بالمعاذر |
قال الزجاج : المعاذر : الستور، والواحد معذار ؛ أي وإن أرخى ستره ؛ يريد أن يخفى عمله، فنفسه شاهدة عليه. وقيل : أي ولو اعتذر فقال لم أفعل شيئا، لكان عليه من نفسه من يشهد عليه من جوارحه، فهو وإن اعتذر وجادل عن نفسه، فعليه شاهد يكذب