نختبره بالخير والشر ؛ قال الكلبي. الثاني : نختبر شكره في السراء وصبره في الضراء ؛ قال الحسن. وقيل :"نبتليه" نكلفه. وفيه أيضا وجهان : أحدهما : بالعمل بعد الخلق ؛ قال مقاتل. الثاني : بالدين ليكون مأمورا بالطاعة ومنهيا عن المعاصي. وروي عن ابن عباس :"نبتليه" : نصرفه خلقا بعد خلق ؛ لنبتليه بالخير والشر. وحكى محمد بن الجهم عن الفراء قال : المعنى والله أعلم ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ لنبتليه، وهي مقدمة معناها التأخير.
قلت : لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة. وقيل :﴿جَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ : يعني جعلنا له سمعا يسمع به الهدى، وبصرا يبصر به الهدى.
قوله تعالى :﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال، والخير والشر ببعث الرسل، فآمن أو كفر ؛ كقوله تعالى :﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾. وقال مجاهد : أي بينا له السبيل إلى الشقاء والسعادة. وقال الضحاك وأبو صالح والسدي : السبيل هنا خروجه من الرحم. وقيل : منافعه ومضاره التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله. ﴿إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾ أي أيهما فعل فقد بينا له. قال الكوفيون :"إن" ها هنا تكون جزاء و"ما" زائدة أي بينا له الطريق إن شكر أو كفر. واختاره الفراء ولم يجزه البصريون ؛ إذ لا تدخل "إن" للجزاء على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل. وقيل : أي هديناه الرشد، أي بينا له سبيل التوحيد بنصب الأدلة عليه ؛ ثم إن خلقنا له الهداية اهتدى وآمن، وإن خذلناه كفر. وهو كما تقول : قد نصحت لك، إن شئت فاقبل، وإن شئت فاترك ؛ أي فإن شئت، فتحذف الفاء. وكذا "إما شاكرا" والله أعلم. ويقال : هديته السبيل وللسبيل وإلى السبيل. وقد تقدم في "الفاتحة" وغيرها. وجمع بين الشاكر والكفور، ولم يجمع بين الشكور والكفور مع اجتماعهما في معنى المبالغة ؛ نفيا للمبالغة في الشكر وإثباتا لها في الكفر ؛ لأن شكر الله تعالى لا يؤدى، فانتفت عنه المبالغة، ولم تنتف عن الكفر المبالغة، فقل شكره، لكثرة النعم عليه وكثرة كفره وإن قل مع الإحسان إليه. حكاه الماوردي.