بأسره إذا أرادوا أن يقولوا هو لك كله ؛ كأنهم أرادوا تعكيمه وشده لم يفتح ولم ينقص منه شيء. ومنه الأسير، لأنه كان يكتف بالإسار. والكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية. أي سويت خلقك وأحكمته بالقوي ثم أنت تكفر بي. ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً﴾ قال ابن عباس : يقول لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم. وعنه أيضا : لغيرنا محاسنهم إلى أسمج الصور وأقبحها. كذلك روى الضحاك عنه. والأول رواه عنه أبو صالح.
٢٩- ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾.
٣٠- ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾.
٣١- ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾
قوله تعالى :﴿إِنَّ هَذِهِ﴾ أي السورة ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ أي موعظة ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ أي طريقا موصلا إلى طاعته وطلب مرضاته. وقيل :﴿سَبِيلاً﴾ أي وسيلة. وقيل وجهة وطريقا إلى الجنة. والمعنى واحد. ﴿وَمَا تَشَاءُونَ﴾ أي الطاعة والاستقامة واتخاذ السبيل إلى الله ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ فأخبر أن الأمر إليه سبحانه ليس إليهم، وأنه لا تنفذ مشيئة أحد ولا تتقدم، إلا أن تتقدم مشيئته. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو "وما يشاؤون" بالياء على معنى الخبر عنهم. والباقون بالتاء على معنى المخاطبة لله سبحانه.
وقيل : إن الآية الأولى منسوخة بالثانية. والأشبه أنه ليس بنسخ، بل هو تبيين أن ذلك لا يكون إلا بمشيئته. قال الفراء :﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ جواب لقوله :﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ ثم أخبرهم أن الأمر ليس إليهم فقال :﴿وَمَا تَشَاءُونَ﴾ ذلك السبيل ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ لكم. ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً﴾ بأعمالكم ﴿حَكِيماً﴾ في أمره ونهيه لكم. وقد مضى في غير موضع.


الصفحة التالية
Icon