لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفارا لوسعنا أرزاقهم مكرا بهم واستدراجا لهم، حتى يفتتنوا بها، فنعذبهم بها في الدنيا والآخرة. وهذا قول قال الربيع بن أنس وزيد بن أسلم وابنه والكلبي والثمالي ويمان بن رباب وابن كيسان وأبو مجلز ؛ واستدلوا بقوله تعالى :﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الآية. وقوله تعالى :﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ﴾ الآية ؛ والأول أشبه ؛ لأن الطريقة معرفة بالألف واللام، فالأوجب أن تكون طريقته طريقة الهدى ؛ ولأن الاستقامة لا تكون إلا مع الهدى.
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال :"أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا" قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال :"بركات الأرض" وذكر الحديث. وقال عليه السلام :"فوالله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم".
قوله تعالى :﴿مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ يعني القرآن ؛ قال ابن زيد. وفي إعراضه عنه وجهان : أحدهما عن القبول، إن قيل إنها في أهل الكفر. الثاني عن العمل، إن قيل إنها في المؤمنين. وقيل :﴿مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ أي لم يشكر نعمه "يسلكه عذابا صعدا" قرأ الكوفيون وعياش عن أبي عمرو "يسلكه" بالياء واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لذكر اسم الله أولا فقال :﴿مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾. الباقون "نسلكه" بالنون. وروي عن مسلم بن جندب ضم النون وكسر اللام. وكذلك قرأ طلحة والأعرج وهما لغتان، سلكه وأسلكه بمعنى ؛ أي ندخله. ﴿عَذَاباً صَعَداً﴾ أي شاقا شديدا. قال ابن عباس : هو جبل، في جهنم. "أبو سعيد الخدري" : كلما جعلوا أيديهم عليه ذابت. وعن ابن عباس : أن المعنى مشقة من العذاب. وذلك معلوم في اللغة أن الصعد : المشقة، تقول : تصعدني الأمر : إذا شق عليك ؛ ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح، أي ما شق علي.


الصفحة التالية
Icon