قوله تعالى :﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ﴾ لما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد، ليتزودوا له بالأعمال الصالحة، وبالإنفاق مما أمتن به عليهم. والصاخة : الصيحة التي تكون عنها القيامة، وهي النفخة الثانية، تصخ الأسماع : أي تصمها فلا تسمع إلا ما يدعى به للأحياء. وذكر ناس من المفسرين قالوا : تصيخ لها الأسماع، من قولك : أصاخ إلى كذا : أي استمع إليه، ومنه الحديث :"ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة شفقا من الساعة إلا الجن والإنس". وقال الشاعر :
يصيخ للنبأة أسماعه... إصاخة المنشد للمنشد
قال بعض العلماء : وهذا يؤخذ على جهة التسليم للقدماء، فأما اللغة فمقتضاها القول الأول، قال الخليل : الصاخة : صيحة تصخ الآذان صخا أي تصمها بشدة وقعتها. وأصل الكلمة في اللغة : الصك الشديد. وقيل : هي مأخوذة من صخه بالحجر : إذا صكه قال الراجز :
يا جارتي هل لك أن تجالدي... جلادة كالصك بالجلامد
ومن هذا الباب قول العرب : صختهم الصاخة وباتتهم البائتة، وهي الداهية. الطبري : وأحسبه من صخ فلان فلانا : إذا أصماه. قال ابن العربي : الصاخة التي تورث الصمم، وإنها لمسمعة، وهذا من بديع الفصاحة، حتى لقد قال بعض حديثي الأسنان حديثي الأزمان :
أَصَمَّ بك الناعي وإن كان أسمعا
وقال آخر :
أَضَمَّني سِرُّهم أيام فرقتهم... فهل سمعتم بسر يورث الصمما
لعمر الله إن صيحة القيامة لمسمعة تصم عن الدنيا، وتسمع أمور الآخرة.
قوله تعالى :﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ﴾ أي يهرب، أي تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه ؛ أي من موالاة أخيه ومكالمته ؛ لأنه لا يتفرغ لذلك، لاشتغاله بنفسه ؛ كما قال بعده :﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ أي يشغله عن غيره. وقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه، لما بينهم من التبعات. وقيل : لئلا يروا ما هو


الصفحة التالية
Icon