يتنحنحون ويتفلون فخرج إليهم فقال :"أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل من الثواب، حتى تملوا من العمل، وإن خير العمل أدومه وإن قل". فنزلت :﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ فكتب عليهم، فأنزل بمنزلة الفريضة، حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به، فمكثوا ثمانية أشهر، فرحمهم الله وأنزل :﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ﴾ فردهم الله إلى الفريضة، ووضع عنهم قيام الليل إلا ما تطوعوا به.
قلت : حديث عائشة هذا ذكره الثعلبي، ومعناه ثابت في الصحيح إلى قوله :(وإن قل) وباقيه يدل على أن قوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ نزل بالمدينة وأنهم مكثوا ثمانية أشهر يقومون. وقد تقدم عنها في صحيح مسلم : حولا. وحكى الماوردي عنها قولا ثالثا وهو ستة عشر شهرا، لم يذكر غيره عنها. وذكر عن ابن عباس أنه كان بين أول المزمل وآخرها سنة ؛ قال : فأما رسول الله ﷺ فقد كان فرضا عليه. وفي نسخة عنه قولان : أحدهما : أنه كان فرضه عليه إلى أن قبضه الله تعالى. الثاني : أنه نسخ عنه كما نسخ عن أمته. وفي مدة فرضه إلى أن نسخ قولان : أحدهما : المدة المفروضة على أمته في القولين الماضيين، يريد قول ابن عباس حولا، وقول عائشة ستة عشر شهرا. الثاني : أنها عشر سنين إلى أن خفف عنه بالنسخ زيادة في التكليف، ليميزه بفعل الرسالة ؛ قاله ابن جبير.
قلت : هذا خلاف ما ذكره الثعلبي عن سعيد بن جبير حسب ما تقدم فتأمله. وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في آخر السورة إن شاء الله تعالى.
الثامنة- قوله تعالى :﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ أي لا تعجل بقراءة القرآن بل أقرأه في مهل وبيان مع تدبر المعاني. وقال الضحاك : اقرأه حرفا حرفا. وقال مجاهد : أحب الناس في القراءة إلى الله أعقلهم عنه. والترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام ؛ ومنه ثغر رتل ورتل، بكسر العين وفتحها : إذا كان حسن التنضيد. وتقدم بيانه في مقدمة الكتاب. وروى الحسن أن النبي ﷺ، مر برجل يقرأ آية ويبكي، فقال :"ألم تسمعوا