فقوله تعالى :﴿فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ معناه أقرؤوا إن تيسر عليكم ذلك، وصلوا إن شئتم. وصار قوم إلى أن النسخ بالكلية تقرر في حق النبي ﷺ أيضا، فما كانت صلاة الليل واجبة عليه. وقوله :﴿نَافِلَةً لَكَ﴾ محمول على حقيقة النفل. ومن قال : نسخ المقدار وبقي أصل وجوب قيام الليل ثم نسخ، فهذا النسخ الثاني وقع ببيان مواقيت الصلاة ؛ كقوله تعالى :﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾، وقوله :﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾، ما في الخبر من أن الزيادة على الصلوات الخمس تطوع. وقيل : وقع النسخ بقوله تعالى :﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ والخطاب للنبي ﷺ وللأمة، كما أن فرضية الصلاة وإن خوطب بها النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ﴾ كانت عامة له ولغيره. وقد قيل : إن فريضة الله امتدت إلى ما بعد الهجرة، ونسخت بالمدينة ؛ لقوله تعالى :﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وإنما فرض القتال بالمدينة ؛ فعلى هذا بيان المواقيت جرى بمكة، فقيام الليل نسخ بقوله تعالى :﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾. وقال ابن عباس : لما قدم رسول الله ﷺ نسخ قول الله تعالى :﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ﴾ وجوب صلاة الليل.
السابعة- قوله تعالى :﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى﴾ الآية ؛ بين سبحانه علة تخفيف قيام الليل، فإن الخلق منهم المريض، ويشق عليهم قيام الليل، ويشق عليهم أن تفوتهم الصلاة، والمسافر في التجارات قد لا يطيق قيام الليل، والمجاهد كذلك، فخفف الله عن الكل لأجل هؤلاء. و"أن" في "أن سيكون" مخففة من الثقيلة ؛ أي علم أنه سيكون.
الثامنة- سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله، والإحسان والإفضال، فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد ؛ لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله. وروى إبراهيم عن علقمة قال : قال رسول الله ﷺ :"ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد فيبيعه بسعر يومه إلا كانت


الصفحة التالية
Icon