أول السورة ؛ أي ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ أي إنذارا. وقيل : هو منصوب بإضمار فعل. وقرأ ابن أبي عبلة "نذير" بالرفع على إضمار هو. وقيل : أي إن القرآن نذير للبشر، لما تضمنه من الوعد والوعيد.
قوله تعالى :﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ اللام متعلقة "بنذيرا"، أي نذيرا لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير والطاعة، أو يتأخر إلى الشر والمعصية ؛ نظيره :﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ﴾ أي في الخير ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾ عنه. قال الحسن : هذا وعيد وتهديد وإن خرج مخرج الخبر ؛ كقوله تعالى :﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾. وقال بعض أهل التأويل : معناه لمن شاء الله أن يتقدم أو يتأخر، فالمشيئة متصلة بالله جل ثناؤه، والتقديم الإيمان، والتأخير الكفر. وكان ابن عباس يقول : هذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد ﷺ جوزي بثواب لا ينقطع، ومن تأخر عن الطاعة وكذب محمدا ﷺ عوقب عقابا لا ينقطع.
وقال السدي :﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ﴾ إلى النار المتقدم ذكرها، ﴿أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ عنها إلى الجنة.
قوله تعالى :﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ أي مرتهنة بكسبها، مأخوذة بعملها، إما خلصها وإما أوبقها. وليست "رهينة" تأنيث رهين في قوله تعالى :﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ لتأنيث النفس ؛ لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين ؛ لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. وإنما هو اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم ؛ كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهين ؛ ومنه بيت الحماسة :

أبعد الذي بالنعف نعف كويكب رهينة رمس ذي تراب وجندل
كأنه قال رهن رمس. والمعنى : كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك ﴿إِلاَّ أَصْحَاب الْيَمِينِ﴾ فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم. واختلف في تعيينهم ؛ فقال ابن عباس : الملائكة.


الصفحة التالية
Icon