قوله تعالى :﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً﴾ أي يعطى كتبا مفتوحة ؛ وذلك أن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا : يا محمد! ايتنا بكتب من رب العالمين مكتوب فيها : إني قد أرسلت إليكم محمدا، صلى الله عليه وسلم. نظيره :﴿وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ﴾. وقال ابن عباس : كانوا يقولون إن كان محمد صادقا فليصبح عند كل رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار. قال مطر الوراق : أرادوا أن يعطوا بغير عمل. وقال الكلبي : قال المشركون : بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح عند رأسه مكتوبا ذنبه وكفارته، فأتنا بمثل ذلك. وقال مجاهد : أرادوا أن ينزل على كل واحد منهم كتاب فيه من الله عز وجل : إلى فلان بن فلان. وقيل : المعنى أن يذكر بذكر جميل، فجعلت الصحف موضع الذكر مجازا. وقالوا : إذا كانت ذنوب الإنسان تكتب عليه فما بالنا لا نرى ذلك ؟ ﴿كَلَّا﴾ أي ليس يكون ذلك. وقيل : حقا. والأول أجود ؛ لأنه رد لقولهم. ﴿كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ﴾ أي لا أعطيهم ما يتمنون لأنهم لا يخافون الآخرة، اغترارا بالدنيا. وقرأ سعيد بن جبير "صحفا منشرة" بسكون الحاء والنون، فأما تسكين الحاء فتخفيف، وأما النون فشاذ. إنما يقال : نشرت الثوب وشبهه ولا يقال أنشرت. ويجوز أن يكون شبه الصحيفة بالميت كأنها ميتة بطيها، فإذا نشرت حييت، فجاء على أنشر الله الميت، كما شبه إحياء الميت بنشر الثوب، فقيل فيه نشر الله الميت، فهي لغة فيه.
٥٤- ﴿كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾.
٥٥- ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾.
٥٦- ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾
قوله تعالى :﴿كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ أي حقا إن القرآن عظة. ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ أي اتعظ به. ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ﴾ أي وما يتعظون ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ أي ليس يقدرون على الاتعاظ والتذكر إلا بمشيئة الله ذلك لهم. وقراءة العامة "يذكرون" بالياء واختاره أبو عبيد ؛ لقوله تعالى :"كلا بل لا يخافون الآخرة". وقرأ نافع ويعقوب بالتاء، واختاره أبو حاتم، لأنه أعم واتفقوا على تخفيفها. "هو أهل التقوى وأهل المغفرة" في الترمذي وسنن ابن ماجة عن


الصفحة التالية
Icon