بمعنى الفرار، ومن فتح الميم وكسر الفاء فهو الموضع الذي يفر إليه. ومن كسر الميم وفتح الفاء فهو الإنسان الجيد الفرار ؛ فالمعنى أين الإنسان الجيد الفرار ولن ينجو مع ذلك.
قلت : ومنه قول امرئ القيس :
مكر مفر مقبل مدبر معا
يريد أنه حسن الكر والفر جيده. ﴿كَلَّا﴾ أي لا مفر ف"كلا" رد وهو من قول الله تعالى.. ثم فسر هذا الرد فقال :﴿لا وَزَرَ﴾ أي لا ملجأ من النار. وكان ابن مسعود يقول : لا حصن. وكان الحسن يقول : لا جبل. وابن عباس يقول : لا ملجأ. وابن جبير : لا محيص ولا منعة. المعنى في ذلك كله واحد. والوزر في اللغة : ما يلجأ إليه من حصن أو جبل أو غيرهما ؛ قال الشاعر :
لعمري ما للفتى من وزر... من الموت يدركه والكبر
قال السدي : كانوا في الدنيا إذا فزعوا تحصنوا في الجبال، فقال الله لهم : لا وزر يعصمكم يومئذ مني ؛ قال طرفة :
ولقد تعلم بكر أننا... فاضلوا الرأي وفي الروع وزر
أي ملجأ للخائف. ويروى : وقر.﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ أي المنتهى ؛ قال قتادة نظيره :﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾. وقال ابن مسعود : إلى ربك المصير والمرجع. قيل : أي المستقر في الآخرة حيث يقره الله تعالى ؛ إذ هو الحاكم بينهم.
وقيل : إن "كلا" من قول الإنسان لنفسه إذا علم أنه ليس له مفر قال لنفسه :﴿كَلَّا لا وَزَرَ. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾.
قوله تعالى :﴿يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ﴾ أي يخبر ابن آدم برا كان أو فاجرا ﴿بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ : أي بما أسلف من عمل سيء أو صالح، أو أخر من سنة سيئة أو صالحة يعمل بها بعده ؛ قاله ابن عباس وابن مسعود. وروى منصور عن مجاهد قال : ينبأ بأول عمله وآخره. وقاله النخعي. وقال ابن عباس أيضا : أي بما قدم من المعصية، وأخر من الطاعة. وهو قول قتادة.