الآية : ١٧٣ ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
الأولى : قوله تعالى :﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ "إنما" كلمة موضوعة للحصر، تتضمن النفي والإثبات، فتثبت ما تناوله الخطاب وتنفي ما عداه، وقد حصرت ههنا التحريم، لا سيما وقد جاءت عقيب التحليل في قوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ فأفادت الإباحة على الإطلاق، ثم عقبها بذكر المحرم بكلمة "إنما" الحاصرة، فاقتضى ذلك الإيعاب للقسمين، فلا محرم يخرج عن هذه الآية، وهي مدنية، وأكدها بالآية الأخرى التي روي أنها نزلت بعرفة :﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ [الأنعام : ١٤٥] إلى آخرها، فاستوفى البيان أولا وآخرا، قاله ابن العربي. وسيأتي الكلام في تلك في "الأنعام" إن شاء اللّه تعالى
الثانية : قوله تعالى :﴿الْمَيْتَةَ﴾ نصب بـ "حرّم"، و"ما" كافة. ويجوز أن تجعلها بمعنى الذي، منفصلة في الخط، وترفع "الميتة والدم ولحم الخنزير" على خبر "إن" وهي قراءة ابن أبي عبلة. وفي "حرم" ضمير يعود على الذي، ونظيره قوله تعالى :﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ [طه : ٦٩]. وقرأ أبو جعفر "حرم" بضم الحاء وكسر الراء ورفع الأسماء بعدها، إما على ما لم يسم فاعله، وإما على خبر إن. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع أيضا "الميتة" بالتشديد. الطبري : وقال جماعة من اللغويين : التشديد والتخفيف في ميت وميت لغتان. وقال أبو حاتم وغيره : ما قد مات فيقالان فيه، وما لم يمت بعد فلا يقال فيه "ميت" بالتخفيف، دليله قوله تعالى :﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر : ٣٠]. وقال الشاعر :
ليس من مات فاستراح بميت | إنما الميت ميت الأحياء |