فحرم المسفوح من الدم. وقد روت عائشة رضي اللّه عنها قالت :"كنا نطبخ البرمة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا ننكره" لأن التحفظ من هذا إصر وفيه مشقة، والإصر والمشقة في الدين موضوع. وهذا أصل في الشرع، أن كلما حرجت الأمة في أداء العبادة فيه وثقل عليها سقطت العبادة عنها فيه، ألا ترى أن المضطر يأكل الميتة، وأن المريض يفطر ويتيمم في نحو ذلك
قلت : ذكر اللّه سبحانه وتعالى الدم ههنا مطلقا، وقيده في الأنعام بقوله ﴿مَسْفُوحاً﴾ [الأنعام : ١٤٥] وحمل العلماء ههنا المطلق على المقيد إجماعا. فالدم هنا يراد به المسفوح، لأن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع، وكذلك الكبد والطحال مجمع عليه. وفي دم الحوت المزايل له اختلاف، وروي عن القابسي أنه طاهر، ويلزم على طهارته أنه غير محرم. وهو اختيار ابن العربي، قال : لأنه لو كان دم السمك نجسا لشرعت ذكاته.
قلت : وهو مذهب أبي حنيفة في دم الحوت، سمعت بعض الحنفية يقول : الدليل على أنه طاهر أنه إذا يبس أبيض بخلاف سائر الدماء فإنه يسود. وهذه النكتة لهم في الاحتجاج على الشافعية.
الخامسة عشرة : قوله تعالى :﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ خص اللّه تعالى ذكر اللحم من الخنزير ليدل على تحريم عينه ذكي أو لم يذك، وليعم الشحم وما هنالك من الغضاريف وغيرها
السادسة عشرة : أجمعت الأمة على تحريم شحم الخنزير. وقد استدل مالك وأصحابه على أن من حلف ألا يأكل شحما فأكل لحما لم يحنث بأكل اللحم. فإن حلف ألا يأكل لحما فأكل شحما حنث لأن اللحم مع الشحم يقع عليه اسم اللحم، فقد دخل الشحم في اسم اللحم ولا يدخل اللحم في اسم الشحم. وقد حرم اللّه تعالى لحم الخنزير فناب ذكر لحمه عن شحمه، لأنه دخل تحت اسم اللحم. وحرم اللّه تعالى على بني إسرائيل الشحوم بقوله :﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ [الأنعام : ١٤٦] فلم يقع بهذا عليهم تحريم اللحم ولم يدخل في اسم الشحم، فلهذا فرق مالك بين الحالف


الصفحة التالية
Icon