وأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له. ومعنى "إلا النار" أي إنه حرام يعذبهم اللّه عليه بالنار، فسمي ما أكلوه من الرشاء نارا لأنه يؤديهم إلى النار، هكذا قال أكثر المفسرين. وقيل : أي إنه يعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة. فأخبر عن المآل بالحال، كما قال تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ [النساء : ١٠] أي أن عاقبته تؤول إلى ذلك، ومنه قولهم :
لدوا للموت وابنوا للخراب
قال :
فللموت ما تلد الوالدة
آخر :
| ودورنا لخراب الدهر نبنيها | وهو في القرآن والشعر كثير |
قوله تعالى :
﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم، يقال : فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه. وقال الطبري : المعنى "ولا يكلمهم" بما يحبونه. وفي التنزيل
﴿اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون : ١٠٨]. وقيل : المعنى ولا يرسل إليهم الملائكة بالتحية.
﴿وَلا يُزَكِّيهِمْ﴾ أي لا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم. وقال الزجاج : لا يثني عليهم خيرا ولا يسميهم أزكياء. "أليم" بمعنى مؤلم، وقد تقدم. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :"ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر". وإنما خص هؤلاء بأليم العذاب وشدة العقوبة لمحض المعاندة والاستخفاف الحامل لهم على تلك المعاصي، إذ لم يحملهم على ذلك حاجة، ولا دعتهم إليه ضرورة كما تدعو من لم يكن مثلهم. ومعنى
﴿لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ لا يرحمهم ولا يعطف عليهم. وسيأتي في "آل عمران" إن شاء اللّه تعالى.