وقال ذو الرمة :
حراجيج ما تنفك إلا مناخة | على الخف أو نرمي بها بلدا قفرا |
يريد : ما تنفك مناخة ؛ فزاد "إلا". وقيل :
﴿مُنْفَكِّينَ﴾ : بارحين ؛ أي لم يكونوا ليبرحوا ويفارقوا الدنيا، حتى تأتيهم البينة. وقال ابن كيسان : أي لم يكن أهل الكتاب تاركين صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم في كتابهم، حتى بعث ؛ فلما بعث حسدوه وجحدوه. وهو كقوله :
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ ولهذا قال :
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾... الآية. وعلى هذا
﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ أي ما كانوا يسيؤون القول في محمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى بعث ؛ فإنهم كانوا يسمونه. الأمين، حتى أتتهم البينة على لسانه، وبعث إليهم، فحينئذ عادوه. وقال بعض اللغويين :
﴿مُنْفَكِّينَ﴾ هالكين من قولهم : أنفك صلا المرأة عند الولادة ؛ وهو أن ينفصل، فلا يلتئم فتهلك المعنى : لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم، بإرسال الرسل وإنزال الكتب. وقال قوم في المشركين : إنهم من أهل الكتاب ؛ فمن اليهود من قال : عزير ابن اللّه. ومن النصارى من قال : عيسى هو اللّه. ومنهم من قال : هو ابنه. ومنهم من قال : ثالث ثلاثة. وقيل : أهل الكتاب كانوا مؤمنين، ثم كفروا بعد أنبيائهم. والمشركون ولدوا على الفطرة، فكفروا حين بلغوا. فلهذا قال :
﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ وقيل : المشركون وصف أهل الكتاب أيضا، لأنهم لم ينتفعوا بكتابهم، وتركوا التوحيد. فالنصارى مثلثة، وعامة اليهود مشبهة ؛ والكل شرك. وهو كقولك : جاءني العقلاء والظرفاء ؛ وأنت تريد أقواما بأعيانهم، تصفهم بالأمرين. فالمعنى : من أهل الكتاب المشركين. وقيل : إن الكفر هنا هو الكفر بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ؛ أي لم يكن الذين كفروا بمحمد من اليهود والنصارى، الذين هم أهل الكتاب، ولم يكن المشركون، الذين هم عبدة