استخراجها منها. وقيل ﴿قَدَّرَ فَهَدَى﴾ : قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه، وعرفه وجه الانتفاع به. يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت، وقد ألهمها اللّه أن مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها ؛ فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام، فتطوي تلك المسافة على طولها وعلى عماها، حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن اللّه تعالى. وهدايات الإنسان إلى ما لا يحد من مصالحه، ولا يحصر من حوائجه، في أغذيته وأدويته، وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض باب واسع، وشوط بطين، لا يحيط به وصف واصف ؛ فسبحان ربي الأعلى. وقال السدي : قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر، وأقل وأكثر، ثم هداه للخروج من الرحم. وقال الفراء : أي قدر، فهدى وأضل ؛ فاكتفى بذكر أحدهما ؛ كقوله تعالى :﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرّ﴾. ويحتمل أن يكون بمعنى دعا إلى الإيمان ؛ كقوله تعالى :﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾. أي لتدعو، وقد دعا الكل إلى الإيمان. وقيل :﴿فَهَدَى﴾ أي دلهم بأفعاله على توحيده، وكونه عالما قادرا. ولا خلاف أن من شدد الدال من ﴿قدر﴾ أنه من التقدير ؛ كقوله تعالى :﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾. ومن خفف فيحتمل أن يكون من التقدير فيكونان بمعنى. ويحتمل أن يكون من القدر والملك ؛ أي ملك الأشياء، وهدي من يشاء.
قلت : وسمعت بعض أشياخي يقول : الذي خلق فسوى وقدر فهدى. هو تفسير العلو الذي يليق بجلال اللّه سبحانه على جميع مخلوقاته.
قوله تعالى :﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ أي النبات والكلأ الأخضر. قال الشاعر :
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى | وتبقى حزازات النفوس كما هيا |