مَا شَاءَ اللَّهُ}. وعلى هذه الأقوال قيل : إلا ما شاء اللّه أن ينسى، ولكنه لم ينسى شيئا منه بعد نزول هذه الآية. وقيل : إلا ما شاء اللّه أن ينسى، ثم يذكر بعد ذلك ؛ فاذا قد نسي، ولكنه يتذكر ولا ينسى نسيانا كليا. وقد روي أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة، فحسب أبي أنها نسخت، فسأله فقال :[إني نسيتها]. وقيل : هو من النسيان ؛ أي إلا ما شاء اللّه أن ينسيك. ثم قيل : هذا بمعنى النسخ ؛ أي إلا ما شاء اللّه أن ينسخه. والاستثناء نوع من النسخ. وقيل. النسيان بمعنى الترك ؛ أي يعصمك من أن تترك العمل به ؛ إلا ما شاء اللّه أن تتركه لنسخه إياه. فهذا في نسخ العمل، والأول في نسخ القراءة. قال الفرغاني : كان يغشى مجلس الجنيد أهل البسط من العلوم، وكان يغشاه ابن كيسان النحوي، وكان رجلا جليلا ؛ فقال يوما : ما تقول يا أبا القاسم في قول اللّه تعالى :﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى﴾ ؟ فأجابه مسرعا - كأنه تقدم له السؤال قبل ذلك بأوقات : لا تنسى العمل به. فقال ابن كيسان : لا يفضض اللّه فاك مثلك من يصدر عن رأيه. وقوله :﴿فَلا﴾ : للنفي لا للنهي. وقيل : للنهي ؛ وإنما أثبتت الياء لأن رؤوس الآي على ذلك. والمعنى : لا تغفل عن قراءته وتكراره فتنساه ؛ إلا ما شاء اللّه أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة. والأول هو المختار ؛ لأن الاستثناء من النهي لا يكاد يكون إلا مؤقتا معلوما. وأيضا فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف، وعليها القراء. وقيل : معناه إلا ما شاء اللّه أن يؤخر إنزاله. وقيل : المعنى فجعله غثاء أحوى إلا ما شاء اللّه أن ينال بنو آدم والبهائم، فإنه لا يصير كذلك.
قوله تعالى :﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ أي الإعلان من القول والعمل. ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ من السر. وعن ابن عباس : ما في قلبك ونفسك. وقال محمد بن حاتم : يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها. وقيل : الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك. ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ هو ما نسخ من صدرك. ﴿ونيسرك﴾ : معطوف على ﴿سنقرئك﴾ وقوله :﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ اعتراش. ومعنى ﴿لِلْيُسْرَى﴾ أي للطريقة اليسرى ؛ وهي عمل الخير. قال ابن عباس : نيسرك لأن تعمل خيرا. ابن مسعود :﴿لِلْيُسْرَى﴾ أي للجنة. وقيل : نوفقك للشريعة اليسرى ؛ وهي الحنيفية السمحة السهلة ؛ قال معناه الضحاك. وقيل : أي نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعمل به.