في زمانه، وله ابن يقال له أسد، وكان له ترب من بني مخزوم، يحبه ويلعب معه. فقال له : نحن غدا نعتفد، قال ابن فارس : هذه لفظة في هذا الخبر لا أدري : بالدال هي أم بالراء ؛ فإن كانت بالراء فلعلها من العفر، وهو التراب، وإن كان بالدال، فما أدري معناها، وتأويله على ما أظنه : ذهابهم إلى ذلك الخباء، وموتهم واحدا بعد واحد. قال : فدخل أسد على أمه يبكي، وذكر ما قاله تربه. قال : فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق، فعاشوا به أياما. ثم إن تربه أتاه أيضا فقال : نحن غدا نعتفد، فدخل أسد على أبيه يبكي، وخبره خبر تربه، فاشتد ذلك على عمرو بن عبد مناف، فقام خطيبا في قريش وكانوا يطيعون أمره، فقال : إنكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتكثر العرب، وتذلون وتعز العرب، وأنتم أهل حرم الله وجل وعز، وأشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، ويكاد هذا الاعتفاد يأتي عليكم. فقالوا : نحن لك تبع. قال : ابتدئوا بهذا الرجل - يعني أبا ترب أسد - فأغنوه عن الاعتفاد، ففعلوا. ثم إنه نحر البدن، وذبح الكباش والمعز، ثم هشم الثريد، وأطعم الناس ؛ فسمي هاشما. وفيه قال الشاعر :
عمرو الذي هشم الثريد لقومه | ورجال مكة مسنتون عجاف |
ثم جمع كل بني أب على رحلتين : في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام للتجارات، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير، حتى صار فقيرهم كغنيهم ؛ فجاء الإسلام وهم على هذا، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالا ولا أعز من قريش، وهو قول شاعرهم :
والخالطون فقيرهم بغنيهم | حتى يصير فقيرهم كالكافي |
فلم يزالوا كذلك حتى بعث الله رسوله محمدا ﷺ، فقال :
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ﴾ بصنيع هاشم
﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ أن تكثر العرب ويقلوا.