هذيل : يقول قائلهم : نشدتك لما قمت. الباقون بالتخفيف، على أنها زائدة مؤكدة، كما ذكرنا. ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾، على ما تقدم. وقيل : الحافظ هو اللّه سبحانه ؛ فلولا حفظه لها لم تبق. وقيل : الحافظ عليه عقله، يرشده إلى مصالحه، ويكفه عن مضاره.
قلت : العقل وغيره وسائط، والحافظ في الحقيقة هو اللّه جل وعز ؛ قال اللّه عز وجل :﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ وقال :﴿قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ وما كان مثله.
٥- ﴿فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾
٦- ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾
٧- ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾
٨- ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾
قوله تعالى :﴿فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ﴾ أي ابن آدم ﴿مِمَّ خُلِقَ﴾ وجه الاتصال بما قبله توصية الإنسان بالنظر في أول أمره، وسنته الأولى، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ؛ فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره. و ﴿مِمَّ خُلِقَ﴾ ؟ استفهام ؛ أي من أي شيء خلق ؟ ثم قال :﴿خُلِقَ﴾ وهو جواب الاستفهام ﴿مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ أي من المني. والدفق : صب الماء، دفقت الماء أدفقه دفقا : صببته، فهو ماء دافق، أي مدفوق، كما قالوا : سر كاتم : أي مكتوم ؛ لأنه من قولك : دفق الماء، على ما لم يسم فاعله. ولا يقال : دفق الماء. ويقال : دفق اللّه روحه : إذا دعي عليه بالموت. قال الفراء والأخفش :﴿مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ أي مصبوب في الرحم، الزجاج : من ماء ذي اندفاق. يقال : دارع وفارس ونابل ؛ أي ذو فرس، ودرع، ونبل. وهذا مذهب سيبويه. فالدافق هو المندفق بشدة قوته. وأراد ماءين : ماء الرجل وماء المرأة ؛ لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما. وعن عكرمة عن ابن عباس :﴿دَافِقٍ﴾ لزج. ﴿يَخْرُجُ﴾