عقبه جهنم بعيد ؛ إذ أحد في الدنيا لم يقتحم عقبة جهنم ؛ إلا أن يحمل على أن المراد فهلا صير نفسه بحيث يمكنه اقتحام عقبة جهنم غدا. واختار البخاري قول مجاهد : إنه لم يقتحم العقبة في الدنيا. قال ابن العربي : وإنما اختار ذلك لأجل أنه قال بعد ذلك في الآية الثانية :﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ ؟ ثم قال في الآية الثالثة :﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾، وفي الآية الرابعة ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾، ثم قال في الآية الخامسة :﴿يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ﴾، ثم قال في الآية السادسة :﴿أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ ؛ فهذه الأعمال إنما تكون في الدنيا. المعنى : فلم يأت في الدنيا بما يسهل عليه سلوك العقبة في الآخرة. وقال سفيان ابن عيينة : كل شيء قال فيه "وما أدراك" ؟ فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه "وما يدريك" ؟ فإنه لم يخبر به.
١٣- ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى- قوله تعالى :﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ فكها : خلاصها من الأسر. وقيل : من الرق. وفي الحديث :"وفك الرقبة أن تعين في ثمنها". من حديث البراء، وقد تقدم في سورة "التوبة". والفك : هو حل القيد ؛ والرق قيد. وسمي المرقوق رقبة ؛ لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته. وسمي عنقها فكا كفك الأسير من الأسر. قال حسان :

كم من أسير فككناه بلا ثمن وجز ناصية كنا مواليها
وروى عقبة بن عامر الجُهَني أن رسول الله ﷺ قال :"من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار" قال الماوردي : ويحتمل ثانيا أنه أراد فك رقبته وخلاص نفسه، باجتناب المعاصي، وفعل الطاعات ؛ ولا يمتنع الخبر من هذا التأويل، وهو أشبه بالصواب.
الثانية- قوله تعالى :﴿رَقَبَةٍ﴾ قال أصبغ : الرقبة الكافرة ذات الثمن أفضل في العتق من الرقبة المؤمنة القليلة الثمن ؛ لقول النبي ﷺ وقد سئل أي الرقاب أفضل ؟ قال :"أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها". ابن العربي : والمراد في هذا الحديث : من


الصفحة التالية
Icon