مرادا بقي الآخر وهو الانتقال من الطهر إلى الحيض مرادا، فعلى هذا عدتها ثلاثة انتقالات، أولها الطهر، وعلى هذا يمكن استيفاء ثلاثة أقراء كاملة إذا كان الطلاق في حالة الطهر، ولا يكون ذلك حملا على المجاز بوجه ما. قال الكيا الطبري : وهذا نظر دقيق في غاية الاتجاه لمذهب الشافعي، ويمكن أن نذكر في ذلك سرا لا يبعد فهمه من دقائق حكم الشريعة، وهو أن الانتقال من الطهر إلى الحيض إنما جعل قرءا لدلالته على براءة الرحم، فإن الحامل لا تحيض في الغالب فبحيضها علم براءة رحمها. والانتقال من حيض إلى طهر بخلافه، فان الحائض يجوز أن تحبل في أعقاب حيضها، وإذا تمادى أمد الحمل وقوي الولد انقطع دمها، ولذلك تمتدح العرب بحمل نسائهم في حالة الطهر، وقد مدحت عائشة رسول الله ﷺ بقول الشاعر :
ومبرأ من كل غبَّر حيضة
... وفساد مرضعة وداء مغْيَل
يعني أن أمه لم تحمل به في بقية حيضها. فهذا ما للعلماء وأهل اللسان في تأويل القرء. وقالوا : قرأت المرأة إذا حاضت أو طهرت. وقرأت أيضا إذا حملت. واتفقوا على أن القرء الوقت، فإذا قلت : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة أوقات، صارت الآية مفسرة في العدد محتملة في المعدود، فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها، فدليلنا قول الله تعالى :﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق : ١] ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق وقت الطهر فيجب أن يكون هو المعتبر في العدة، فإنه قال :﴿فطلقوهن﴾ يعني وقتا تعتد به، ثم قال تعالى :﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾. يريد ما تعتد به المطلقة وهو الطهر الذي تطلق فيه، وقال ﷺ لعمر :"مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء". أخرجه مسلم وغيره. وهو نص في أن زمن الطهر هو الذي يسمى عدة، وهو الذي تطلق فيه النساء. ولا خلاف أن من طلق في حال الحيض لم تعتد بذلك الحيض، ومن طلق في حال الطهر فإنها تعتد عند الجمهور بذلك الطهر، فكان ذلك أولى. قال أبو بكر