مراجعتها، فإن طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله. وقد روي من أخبار العدول مثل ذلك أيضا : حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين قال : جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله، أرأيت قول الله تعالى :﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ فأين الثالثة ؟ فقال رسول الله ﷺ :﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ ورواه الثوري وغيره عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين مثله.
قلت : وذكر الكيا الطبري هذا الخبر وقال : إنه غير ثابت من جهة النقل، ورجح قول الضحاك والسدي، وأن الطلقة الثالثة إنما هي مذكورة في مساق الخطاب في قوله تعالى :﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ [البقرة : ٢٣٠]. فالثالثة مذكورة في صلب هذا الخطاب، مفيدة للبينونة الموجبة للتحريم إلا بعد زوج، فوجب حمل قوله :﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ على فائدة مجددة، وهو وقوع البينونة بالاثنتين عند انقضاء العدة، وعلى أن المقصود من الآية بيان عدد الطلاق الموجب للتحريم، ونسخ ما كان جائزا من إيقاع الطلاق بلا عدد محصور، فلو كان قوله :﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ هو الثالثة لما أبان عن المقصد في إيقاع التحريم بالثلاث، إذ لو اقتصر عليه لما دل على وقوع البينونة المحرمة لها إلا بعد زوج، وإنما علم التحريم بقوله تعالى :﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾. فوجب ألا يكون معنى قوله :﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ الثالثة، ولو كان قوله :﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ بمعنى الثالثة كان قوله عقيب ذلك :﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا ﴾ الرابعة، لأن الفاء للتعقيب، وقد اقتضى طلاقا مستقبلا بعد ما تقدم ذكره، فثبت بذلك أن قوله تعالى :﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ هو تركها حتى تنقضي عدتها.
الخامسة :- ترجم البخاري على هذه الآية "باب من أجاز الطلاق الثلاث بقوله تعالى :﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ وهذا إشارة منه إلى أن هذا