وأما سائر الكنايات فهي ثلاث عند مالك في كل من دخل بها لا ينوى فيها قائلها، وينوى في غير المدخول بها. فإن حلف وقال أردت واحدة كان خاطبا من الخطاب، لأنه لا يخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يبينها ولا يبريها إلا ثلاث تطليقات. والتي لم يدخل بها يخليها ويبريها ويبينها الواحدة. وقد روى مالك وطائفة من أصحابه، وهو قول جماعة من أهل المدينة، أنه ينوي في هذه الألفاظ كلها ويلزمه من الطلاق ما نوى. وقد روي عنه في البتة خاصة من بين سائر الكنايات أنه لا ينوي فيها لا في المدخول بها ولا في غير المدخول بها. وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه : له نيته في ذلك كله، فإن نوى ثلاثا فهي ثلاث، وإن نوى واحدة فهي واحده بائنة وهي أحق بنفسها. وإن نوى اثنتين فهي واحدة. وقال زفر : إن نوى اثنتين فهي اثنتان. وقال الشافعي : هو في ذلك كله غير مطلق حتى يقول : أردت بمخرج الكلام مني طلاقا فيكون ما نوى. فإن نوى دون الثلاث كان رجعيا، ولو طلقها واحدة بائنة كانت رجعية. وقال إسحاق : كل كلام يشبه الطلاق فهو ما نوى من الطلاق. وقال أبو ثور : هي تطليقة رجعية ولا يسأل عن نيته. وروي عن ابن مسعود "أنه كان لا يرى طلاقا بائنا إلا في خلع أو إيلاء" وهو المحفوظ عنه، قال أبو عبيد. وقد ترجم البخاري "باب إذا قال فارقتك أو سرحتك أو البرية أو الخلية أو ما عنى به الطلاق فهو على نيته". وهذا منه إشارة إلى قول الكوفيين والشافعي وإسحاق في قوله : أو ما عنى به من الطلاق" والحجة في ذلك أن كل كلمة تحتمل أن تكون طلاقا أو غير طلاق فلا يجوز أن يلزم بها الطلاق إلا أن يقول المتكلم : إنه أراد بها الطلاق فيلزمه ذلك بإقراره، ولا يجوز إبطال النكاح لأنهم قد أجمعوا على صحته بيقين. قال أبو عمر : واختلف قول مالك في معنى قول الرجل لامرأته : اعتدي، أو قد خليتك، أو حبلك على غاربك، فقال مرة : لا ينوي فيها وهي ثلاث. وقال مرة : ينوي فيها كلها، في المدخول بها وغير المدخول بها، وبه أقول.
قلت : ما ذهب إليه الجمهور، وما روى عن مالك أنه ينوي في هذه الألفاظ ويحكم عليه بذلك هو الصحيح، لما ذكرناه من الدليل، وللحديث الصحيح الذي خرجه أبو داود


الصفحة التالية
Icon