الثالثة :- قوله تعالى :﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾ شرب قيل معناه كرع. ومعنى ﴿فَلَيْسَ مِنِّي﴾ أي ليس من أصحابي في هذه الحرب، ولم يخرجهم بذلك عن الإيمان. قال السدي : كانوا ثمانين ألفا، ولا محالة أنه كان فيهم المؤمن والمنافق والمجد والكسلان، وفي الحديث "من غشنا فليس منا" أي ليس من أصحابنا ولا على طريقتنا وهدينا. قال :
إذا حاولت في أسد فجورا | فإني لست منك ولست مني |
الرابعة :- قوله تعالى :﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ يقال : طعمت الشيء أي ذقته. وأطعمته الماء أي أذقته، ولم يقل ومن لم يشربه لأن من عادة العرب إذا كرروا شيئا أن يكرروه بلفظ آخر، ولغة القرآن أفصح اللغات، فلا عبرة بقدح من يقول : لا يقال طعمت الماء.
الخامسة :- استدل علماؤنا بهذا على القول بسد الذرائع ؛ لأن أدنى الذوق يدخل في لفظ الطعم، فإذا وقع النهي عن الطعم فلا سبيل إلى وقوع الشرب ممن يتجنب الطعم ؛ ولهذه المبالغة لم يأت الكلام "ومن لم يشرب منه".
السادسة :- ما قال تعالى :﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾ دل على أن الماء طعام وإذا كان طعاما كان قوتا لبقائه واقتيات الأبدان به فوجب أن يجري فيه الربا، قال ابن العربي : وهو الصحيح من المذهب. قال أبو عمر قال مالك : لا بأس ببيع الماء على الشط بالماء متفاضلا وإلى أجل، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد بن الحسن : هو مما يكال ويوزن، فعلى هذا القول لا يجوز عنده التفاضل، وذلك عنده فيه ربا ؛ لأن علته في الربا الكيل والوزن. وقال الشافعي : لا يجوز بيع الماء متفاضلا ولا يجوز فيه الأجل، وعلته في الربا أن يكون مأكولا جنسا.