قلت : ومن أراد الحلال الصرف في هذه الأزمان دون شبهة ولا امتراء ولا ارتياب فليشرب بكفيه الماء من العيون والأنهار المسخرة بالجريان آناء الليل وآناء النهار، مبتغيا بذلك من الله كسب الحسنات ووضع الأوزار واللحوق بالأئمة الأبرار، قال رسول الله ﷺ :"من شرب بيده وهو يقدر على إناء يريد به التواضع كتب الله له بعدد أصابعه حسنات وهو إناء عيسى ابن مريم عليهما السلام إذا طرح القدح فقال أف هذا مع الدنيا". خرجه ابن ماجة من حديث ابن عمر قال : نهى رسول الله ﷺ أن نشرب على بطوننا وهو الكرع، ونهانا أن نغترف باليد الواحدة، وقال :"لا يلغ أحدكم كما يلغ الكلب ولا يشرب باليد الواحدة كما يشرب القوم الذين سخط الله عليهم ولا يشرب بالليل في إناء حتى يحركه إلا أن يكون إناء مخمرا ومن شرب بيده وهو يقدر على إناء..." الحديث كما تقدم، وفي إسناده بقية بن الوليد، قال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبو زرعة : إذا حدث بقية عن الثقات فهو ثقة.
التاسعة :- قوله تعالى :﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾ قال ابن عباس : شربوا على قدر يقينهم فشرب الكفار شرب الهيم وشرب العاصون دون ذلك، وانصرف من القوم ستة وسبعون ألفا وبقي بعض المؤمنين لم يشرب شيئا وأخذ بعضهم الغرفة، فأما من شرب فلم يرو، بل برح به العطش، وأما من ترك الماء فحسنت حاله وكان أجلد ممن أخذ الغرفة.
العاشرة :- قوله تعالى :﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ﴾ الهاء تعود على النهر، و"هو" توكيد. ﴿ وَالَّذِينَ﴾ في موضع رفع عطفا على المضمر في "جاوزه" يقال : جاوزت المكان مجاوزة وجوازا. والمجاز في الكلام ما جاز في الاستعمال ونفذ واستمر على وجهه. قال ابن عباس والسدي : جاز معه في النهر أربعة آلاف رجل فيهم من شرب، فلما نظروا إلى جالوت وجنوده وكانوا مائة ألف كلهم شاكون في السلاح رجع منهم ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون ؛ فعلى هذا القول قال المؤمنون الموقنون بالبعث والرجوع إلى الله تعالى عند ذلك وهم عدة أهل


الصفحة التالية
Icon