قلت : ما اخترناه أولى إن شاء الله تعالى ؛ فإن الله تعالى لما أخبر أنه فضل بعضهم على بعض جعل يبين بعض المتفاضلين ويذكر الأحوال التي فضلوا بها فقال :﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾ [البقرة : ٢٥٣] وقال ﴿وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً﴾ [الإسراء : ٥٥] وقال تعالى :﴿وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ﴾ [المائدة : ٤٦]، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء : ٤٨] وقال تعالى :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً﴾ [النمل : ١٥] وقال :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ﴾ [الأحزاب : ٧] فعم ثم خص وبدأ بمحمد ﷺ، وهذا ظاهر.
قلت : وهكذا القول في الصحابة إن شاء الله تعالى، اشتركوا في الصحبة ثم تباينوا في الفضائل بما منحهم الله من المواهب والوسائل، فهم متفاضلون بتلك مع أن الكل شملتهم الصحبة والعدالة والثناء عليهم، وحسبك بقوله الحق :﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ﴾ [الفتح : ٢٩] إلى آخر السورة. وقال :﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح : ٢٦] ثم قال :﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ [ الحديد : ١٠] وقال :﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح : ١٨] فعم وخص، ونفى عنهم الشين والنقص، رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا بحبهم آمين.
قوله تعالى :﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ المكلم موسى عليه السلام، وقد سئل رسوله الله ﷺ عن آدم أنبي مرسل هو ؟ فقال :"نعم نبي مكلم". قال ابن عطية : وقد تأول بعض الناس أن تكليم آدم كان في الجنة، فعلى هذا تبقى خاصية موسى. وحذفت الهاء لطول الاسم، والمعنى من كلمه الله.
قوله تعالى :﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ قال النحاس : بعضهم هنا على قول ابن عباس والشعبي ومجاهد محمد ﷺ، قال ﷺ :"بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم وأعطيت،


الصفحة التالية
Icon