وأما شفاعات نبينا محمد ﷺ فاختلف فيها ؛ فقيل ثلاث، وقيل اثنتان، وقيل : خمس، يأتي بيانها في "سبحان" إن شاء الله تعالى. وقد أتينا عليها في كتاب "التذكرة" والحمد لله.
قوله تعالى :﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ الضميران عائدان على كل من يعقل ممن تضمنه قوله :﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ". وقال مجاهد :﴿ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ الدنيا ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ الآخرة. قال ابن عطية : وكل هذا صحيح في نفسه لا بأس به ؛ لأن ما بين اليد هو كل ما تقدم الإنسان، وما خلفه هو كل ما يأتي بعده ؛ وبنحو قول مجاهد قال السدي وغيره.
قوله تعالى :﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾ العلم هنا بمعنى المعلوم، أي ولا يحيطون بشيء من معلوماته ؛ وهذا كقول الخضر لموسى عليه السلام حين نقر العصفور في البحر : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر. فهذا وما شاكله راجع إلى المعلومات ؛ لأن علم الله سبحانه وتعالى الذي هو صفة ذاته لا يتبعض. ومعنى الآية لا معلوم لأحد إلا ما شاء الله أن يعلمه.
قوله تعالى :﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ ذكر ابن عساكر في تاريخه عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ :" الكرسي لؤلؤة والقلم لؤلؤة وطول القلم سبعمائة سنة وطول الكرسي حيث لا يعلمه إلا الله ". وروى حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة - وهو عاصم بن أبي النجود - عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال : بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين العرش مسيرة خمسمائة عام، والعرش فوق الماء والله فوق العرش يعلم ما أنتم فيه وعليه. يقال كُرسي وكرسي والجمع الكراسي. وقال ابن عباس : كرسيه علمه. ورجحه الطبري، قال : ومنه الكراسة التي تضم العلم ؛ ومنه قيل للعلماء : الكراسي ؛ لأنهم المعتمد عليهم ؛ كما يقال : أوتاد الأرض.