كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة : ١٠٥]، وقال :﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ [البينة : ١] ففرق بينهم في اللفظ، وظاهر العطف يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، وأيضا فاسم الشرك عموم وليس بنص، وقوله تعالى :﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة : ٥] بعد قوله﴿ والمحصنات من المؤمنات﴾ نص، فلا تعارض بين المحتمل وبين ما لا يحتمل. فإن قيل : أراد بقوله :﴿ والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ أي أوتوا الكتاب من قبلكم وأسلموا، كقوله ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران : ١٩٩] الآية. وقوله :﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ [آل عمران : ١١٣] الآية. قيل له : هذا خلاف نص الآية في قوله :﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ وخلاف ما قاله الجمهور، فإنه لا يشكل على أحد جواز التزويج ممن أسلم وصار من أعيان المسلمين. فإن قالوا : فقد قال الله تعالى :﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ فجعل العلة في تحريم نكاحهن الدعاء إلى النار. والجواب أن ذلك علة لقوله تعالى :﴿وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ﴾ " لأن المشرك يدعو إلى النار، وهذه العلة مطردة في جميع الكفار، فالمسلم خير من الكافر مطلقا، وهذا بين.
الرابعة :- وأما نكاح أهل الكتاب إذا كانوا حربا فلا يحل، وسئل ابن عباس عن ذلك فقال : لا يحل، وتلا قول الله تعالى :﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [التوبة : ٢٩] إلى قوله ﴿ صَاغِرُونَ﴾. قال المحدث : حدثت بذلك إبراهيم النخعي فأعجبه. وكره مالك تزوج الحربيات، لعلة ترك الولد في دار الحرب، ولتصرفها في الخمر والخنزير.
الخامسة :- قوله تعالى :﴿وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ﴾ إخبار بأن المؤمنة المملوكة خير من المشركة، وإن كانت ذات الحسب والمال. ﴿وَلا تَنْكِحُوا﴾ في الحسن وغير ذلك، هذا قول الطبري وغيره. ونزلت في خنساء وليدة سوداء كانت لحذيفة بن اليمان، فقال لها حذيفة : يا خنساء، قد ذكرت في الملأ الأعلى مع سوادك ودمامتك، وأنزل الله تعالى ذكرك في كتابه، فأعتقها حذيفة وتزوجها. وقال السدي : نزلت في عبدالله بن رواحة، كانت له أمة سوداء


الصفحة التالية
Icon