ههنا لشيء، قد أهلك الله العدو وإخواننا في عسكر المشركين. وقال طوائف منهم : علام نقف وقد هزم الله العدو ؟ فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي ﷺ ألا يتركوها، وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول فأوجفت الخيل فيهم قتلا. وألفاظ الآية تقتضي التوبيخ لهم، ووجه التوبيخ لهم أنهم رأوا مبادئ النصر، فكان الواجب أن يعلموا أن تمام النصر في الثبات لا في الانهزام. ثم بين سبب التنازع. فقال :﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ يعني الغنيمة. قال ابن مسعود : ما شعرنا أن أحدا من أصحاب النبي ﷺ يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد. ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ وهم الذين ثبتوا في مركزهم، ولم يخالفوا أمر نبيهم ﷺ مع أميرهم عبدالله بن جبير ؛ فحمل خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل عليه، وكانا يومئذ كافرين فقتلوه مع من بقي، رحمهم الله. والعتاب مع من انهزم لا مع من ثبت، فإن من ثبت فاز بالثواب، وهذا كما أنه إذا حل بقوم عقوبة عامة فأهل الصلاح والصبيان يهلكون ؛ ولكن لا يكون ما حل بهم عقوبة، بل هو سبب المثوبة. والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ أي بعد أن استوليتم عليهم ردكم عنهم بالانهزام. ودل هذا على أن المعصية مخلوقة لله تعالى. وقالت المعتزلة : المعنى ثم انصرفتم ؛ فإضافته إلى الله تعالى بإخراجه الرعب من قلوب الكافرين من المسلمين ابتلاء لهم. قال القشيري : وهذا لا يغنيهم ؛ لأن إخراج الرعب من قلوب الكافرين حتى يستخفوا بالمسلمين قبيح ولا يجوز عندهم، أن يقع من الله قبيح، فلا يبقى لقوله :﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ معنى. وقيل : معنى ﴿صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ أي لم يكلفكم طلبهم.
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي لم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة. والخطاب قيل هو للجميع. وقيل : هو للرماة الذين خالفوا ما أمروا به، واختاره النحاس. وقال أكثر المفسرين : ونظير هذه الآية قوله :﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ﴾ [البقرة : ٥٢]. ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالعفو والمغفرة. وعن ابن عباس قال : ما نصر النبي صلى الله عليه وسلم