وهو معنى "ببعض ما كسبوا" وقيل :﴿اسْتَزَلَّهُمُ﴾ حملهم على الزلل، وهو استفعل من الزلة وهي الخطيئة. وقيل : زل وأزل بمعنى واحد. ثم قيل : كرهوا القتال قبل إخلاص التوبة، فإنما تولوا لهذا، وهذا على القول الأول. وعلى الثاني بمعصيتهم النبي ﷺ في تركهم المركز وميلهم إلى الغنيمة. وقال الحسن :"ما كسبوا" قبولهم من إبليس ما وسوس إليهم. وقال الكلبي : زين لهم الشيطان أعمالهم. وقيل : لم يكن الانهزام معصية ؛ لأنهم أرادوا التحصن بالمدينة، فيقطع العدو طمعه فيهم لما سمعوا أن النبي ﷺ قتل. ويجوز أن يقال : لم يسمعوا دعاء النبي ﷺ للهول الذي كانوا فيه. ويجوز أن يقال : زاد عدد العدو على الضعف ؛ لأنهم كانوا سبعمائة والعدو ثلاثة آلاف. وعند هذا يجوز الانهزام ولكن الانهزام عن النبي ﷺ خطأ لا يجوز، ولعلهم توهموا أن النبي ﷺ انحاز إلى الجبل أيضا. وأحسنها الأول. وعلى الجملة فإن حمل الأمر على ذنب محقق فقد عفا الله عنه، وإن حمل على انهزام مسوغ فالآية فيمن أبعد في الهزيمة وزاد على القدر المسوغ. وذكر أبو الليث السمرقندي نصر بن محمد بن إبراهيم قال : حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا السراج قال حدثنا قتيبة قال حدثنا أبو بكر بن غيلان عن جرير : أن عثمان كان بينه وبين عبدالرحمن بن عوف كلام، فقال له عبدالرحمن بن عوف : أتسبني وقد شهدت بدرا ولم تشهد، وقد بايعت تحت شجرة ولم تبايع، وقد كنت تولى مع من تولى يوم الجمع، يعني يوم أحد. فرد عليه عثمان فقال : أما قولك : أنا شهدت بدرا ولم تشهد، فإني لم أغب عن شيء شهده رسول الله ﷺ، إلا أن بنت رسول الله ﷺ كانت مريضة وكنت معها أمرضها، فضرب لي رسول الله ﷺ سهما في سهام المسلمين، وأما بيعة الشجرة فإن رسول الله ﷺ بعثني ربيئة على المشركين بمكة - الربيئة هو الناظر - فضرب رسول الله ﷺ يمينه على شماله فقال :"هذه لعثمان" فيمين رسول الله ﷺ وشماله خير لي من يميني وشمالي. وأما يوم الجمع فقال الله تعالى :﴿وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ فكنت فيمن عفا الله عنهم. فحج عثمان عبدالرحمن.


الصفحة التالية
Icon