وكانت العرب ترفع للغادر لواء، وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قام فينا رسول الله ﷺ ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال :"لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة علي رقبته بعيرا له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك" وروى أبو داود عن سمرة بن جندب قال : كان رسول الله ﷺ إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيؤون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل يوما بعد النداء بزمام من الشعر فقال : يا رسول الله هذا كان فيما أصبناه من الغنيمة. فقال :"أسمعت بلالا ينادي ثلاثا" ؟ قال : نعم. قال :"فما منعك أن تجيء به" ؟ فاعتذر إليه. فقال :"كلا أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك". قال بعض العلماء : أراد يوافي بوزر ذلك يوم القيامة، كما قال في آية أخرى :﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [الأنعام : ٣١]. وقيل : الخبر محمول على شهرة الأمر ؛ أي يأتي يوم القيامة قد شهر الله أمره كما يشهر لو حمل بعيرا له رغاء أو فرسا له حمحمة.
قلت : وهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه، وإذا دار الكلام بين الحقيقة والمجاز فالحقيقة الأصل كما في كتب الأصول. وقد أخبر النبي ﷺ بالحقيقة،