فالمعنى أنهم يرزقون الثناء الجميل. وقال آخرون : أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون. وهذا هو الصحيح من الأقوال ؛ لأن ما صح به النقل فهو الواقع. وحديث ابن عباس نص يرفع الخلاف. وكذلك حديث ابن مسعود خرجه مسلم. وقد أتينا على هذا المعنى مبينا في كتاب "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة". والحمد لله.
وقد ذكرنا هناك كم الشهداء، وأنهم مختلفو الحال. وأما من تأول في الشهداء أنهم أحياء بمعنى أنهم سيحيون فبعيد يرده القرآن والسنة ؛ فإن قوله تعالى :﴿بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ دليل على حياتهم، وأنهم يرزقون ولا يرزق إلا حّي. وقد قيل : إنه يكتب لهم في كل سنة ثواب غزوة ؛ ويشركون في ثواب كل جهاد كان بعدهم إلى يوم القيامة ؛ لأنهم سنوا أمر الجهاد. نظيرة قوله تعالى :﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً﴾ " [المائدة : ٣٢]. على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. وقيل : لأن أرواحهم تركع وتسجد تحت العرش إلى يوم القيامة، كأرواح الأحياء المؤمنين الذين باتوا على وضوء. وقيل : لأن الشهيد لا يبلى في القبر ولا تأكله الأرض. وقد ذكرنا هذا المعنى في "التذكرة" وأن الأرض لا تأكل الأنبياء والشهداء والعلماء والمؤذنين المحتسبين وحملة القرآن.
الثانية :-إذا كان الشهيد حيا حكما فلا يصلى عليه، كالحّي حسا. وقد اختلف العلماء في غسل الشهداء والصلاة عليهم ؛ فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري إلى غسل جميع الشهداء والصلاة عليهم ؛ إلا قتيل المعترك في قتال العدو خاصة ؛ لحديث جابر قال قال النبي ﷺ :"أدفنوهم بدمائهم" يعني يوم أحد ولم يغسلهم، رواه البخاري. وروى أبو داود عن ابن عباس قال : أمر رسول الله ﷺ بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم. وبهذا قال أحمد وإسحاق والأوزاعي وداود بن علّي وجماعة فقهاء الأمصار وأهل الحديث وابن علية. وقال سعيد بن المسيب والحسن : يغسلون. قال أحدهما : إنما لم تغسل شهداء أحد لكثرتهم والشغل عن ذلك. قال أبو عمر : ولم يقل بقول سعيد والحسن هذا أحد من فقهاء الأمصار إلا عبيدالله بن الحسن العنبري، وليس


الصفحة التالية
Icon