نهيناكم عن الخروج إليهم وعصيتمونا، وقد قاتلوكم في دياركم وظفروا ؛ فإن أتيتموهم في ديارهم فلا يرجع منكم أحد. فقالوا :"حسبنا الله ونعم الوكيل". وقال أبو معشر : دخل ناس من هذيل من أهل تهامة المدينة، فسألهم أصحاب رسول الله ﷺ عن أبي سفيان فقالوا :"قد جمعوا لكم" جموعا كثيرة "فاخشوهم" أي فخافوهم واحذروهم ؛ فإنه لا طاقة لكم بهم. فالناس على هذه الأقوال على بابه من الجمع. والله أعلم.
قوله تعالى :﴿فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾ أي فزادهم قول الناس إيمانا، أي تصديقا ويقينا في دينهم، وإقامة على نصرتهم، وقوة وجراءة واستعدادا. فزيادة الإيمان على هذا هي في الأعمال. وقد اختلف العلماء في زيادة الإيمان ونقصانه على أقوال. والعقيدة في هذا على أن نفس الإيمان الذي هو تاج واحد، وتصديق واحد بشيء مّا، إنما هو معنى فرد، لا يدخل معه زيادة إذا حصل، ولا يبقى منه شيء إذا زال ؛ فلم يبق إلا أن تكون الزيادة والنقصان في متعلقاته دون ذاته. فذهب جمع من العلماء إلى أنه يزيد وينقص من حيث الأعمال الصادرة عنه، لا سيما أن كثيرا من العلماء يوقعون اسم الإيمان على الطاعات ؛ لقوله ﷺ :"الإيمان بضع وسبعون بابا فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" أخرجه الترمذي، وزاد مسلم "والحياء شعبة من الإيمان" وفي حديث علّي رضي الله عنه : إن الإيمان ليبدو لمظة بيضاء في القلب، كلما أزداد الإيمان ازدادت اللمظة. وقوله "لمظة" قال الأصمعّي : اللمظة مثل النكتة ونحوها من البياض ؛ ومنه قيل : فرس ألمظ، إذا كان بجحفلته شيء من بياض. والمحدثون يقولون "لمظة" بالفتح. وأما كلام العرب فبالضم ؛ مثل شبهة ودهمة وخمرة. وفيه حجة على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد وينقص. ألا تراه يقول : كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة حتى يبيض القلب كله. وكذلك النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب كلما ازداد النفاق أسود القلب حتى يسود القلب كله. ومنهم من قال : إن الإيمان عرض، وهو لا يثبت زمانين ؛ فهو للنبّي ﷺ وللصلحاء متعاقب، فيزيد باعتبار توالي أمثاله على قلب المؤمن، وباعتبار دوام حضوره.