قلت : وهذه مسألة عظمى، حيث يكون الرضا بالمعصية معصية. وقد روى أبو داود عن، العرس بن عميرة الكندي عن النبي ﷺ قال :"إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة فأنكرها - كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها". وهذا نص. قوله تعالى :﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ تقدم معناه في البقرة. ﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ أي يقال لهم في جهنم، أو عند الموت، أو عند الحساب هذا. ثم هذا القول من الله تعالى، أو من الملائكة ؛ قولان. وقراءة ابن مسعود "ويقال". والحريق اسم للملتهبة من النار، والنار تشمل الملتهبة وغير الملتهبة. قوله تعالى :﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أي ذلك العذاب بما سلف من الذنوب. وخص الأيدي بالذكر ليدل على تولي الفعل ومباشرته ؛ إذ قد يضاف الفعل إلى الإنسان بمعنى أنه أمر به ؛ كقوله :﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [القصص : ٤] وأصل ﴿أَيْدِيكُمْ﴾ أيديكم فحذفت الضمة لثقلها. والله أعلم.
الآية : ١٨٣ ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
الآية : ١٨٤ ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾
قوله تعالى :﴿الَّذِينَ﴾ في موضع خفض بدلا من "الذين" في قوله عز وجل ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا﴾ أو نعت "للعبيد" أو خبر ابتداء، أي هم الذين قالوا. وقال الكلب وغيره. نزلت في كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، ووهب بن يهوذا وفنحاص بن عازوراء وجماعة أتوا النبي ﷺ ؛ فقالوا له : أتزعم أن الله أرسلك إلينا، وإنه أنزل علينا كتابا عهد إلينا فيه ألا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار، فإن جئنا به صدقناك. فأنزل الله هذه الآية. فقيل : كان هذا في التوراة، ولكن كان تمام الكلام : حتى يأتيكم المسيح ومحمد فإذا أتياكم فآمنوا بهما من غير قربان.