فيه خمس وعشرون مسألة :-
الأولى : قوله تعالى :﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ تقدم معنى هذه الآية في "البقرة" في غير موضع. فختم تعالى هذه السورة بالأمر بالنظر والاستدلال في آياته ؛ إذ لا تصدر إلا عن حي قيوم قدير وقدوس سلام غني عن العالمين ؛ حتى يكون إيمانهم مستندا إلى اليقين لا إلى التقليد. ﴿لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ﴾ الذين يستعملون عقولهم في تأمل الدلائل. وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزلت هذه الآية على النبي قام يصلى، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي فقال : يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! فقال :"يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا ولقد أنزل الله على الليلة آية ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ﴾ - ثم قال :"ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها".
الثانية : قال العلماء : يستحب لمن انتبه من نومه أن يمسح على وجهه، ويستفتح قيامه بقراءة هذه العشر الآيات اقتداء بالنبي ﷺ، ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما وسيأتي ؛ ثم يصلي ما كتب له، فيجمع بين التفكر والعمل، وهو أفضل العمل على ما يأتي بيانه في هذه الآية بعد هذا. وروي عن أب هريرة أن رسول الله ﷺ كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة "آل عمران" كل ليلة، خرجه أبو نصر الوائلي السجستاني الحافظ في كتاب "الإبانة" من حديث سليمان بن موسى عن مظاهر بن أسلم المخزومي عن المقبري عن أبي هريرة. وقد تقدم أول السورة عن عثمان قال : من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة.
الثالثة : قوله تعالى :﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ ذكر تعالى ثلاث هيئات لا يخلو ابن آدم منها في غالب أمره، فكأنها تحصر زمانه. ومن هذا المعنى قول عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله ﷺ يذكر الله على كل


الصفحة التالية
Icon