الثاني : أنهم دعوا بهذا الدعاء على جهة العبادة والخضوع ؛ والدعاء مخ العبادة. وهذا كقوله ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الأنبياء : ١١٢] وإن كان هو لا يقضي إلا بالحق.
الثالث : سألوا أن يعطوا ما وعدوا به من النصر على عدوهم معجلا ؛ لأنها حكاية عن أصحاب النبي ﷺ، فسألوه ذلك إعزازا للدين. والله أعلم. وروى أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال :"من وعده الله عز وجل على عمل ثوابا فهو منجز له رحمة ومن وعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار". والعرب تذم بالمخالفة في الوعد وتمدح بذلك في الوعيد ؛ حتى قال قائلهم :
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي | ولا أختفي من خشية المتهدد |
وإني متى أوعدته أو وعدته | لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
الخامسة عشرة : قوله تعالى :﴿أَنِّي﴾ أي بأني. وقرأ عيسى بن عمر "إني" بكسر الهمزة، أي فقال : إني. وروى الحاكم أبو عبدالله في صحيحه عن أم سلمة أنها قالت : يا رسول الله، ألا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ؟ فأنزل الله تعالى :﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ الآية. وأخرجه الترمذي. ودخلت "من" للتأكيد ؛ لأن قبلها حرف نفي. وقال الكوفيون : هي للتفسير ولا يجوز حذفها ؛ لأنها دخلت لمعنى لا يصلح الكلام إلا به، وإنما تحذف إذا كان تأكيدا للجحد. ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ ابتداء وخبر، أي دينكم واحد. وقيل : بعضكم من بعض في الثواب والأحكام والنصرة وشبه ذلك. وقال الضحاك : رجالكم شكل نسائكم في الطاعة، ونساؤكم شكل رجالكم في الطاعة ؛ نظيرها قوله