وقال الحسن : على الصلوات الخمس. وقيل : إدامة مخالفة النفس عن شهواتها فهي تدعو وهو ينزع. وقال عطاء والقرظي : صابروا الوعد الذي وعدتم. أي لا تيأسوا وانتظروا الفرج ؛ قال ﷺ :"انتظار الفرج بالصبر عبادة". واختار هذا القول أبو عمر رحمه الله. والأول قول الجمهور ؛ ومنه قول عنترة :

فلم أر حيا صابروا مثل صبرنا ولا كافحوا مثل الذين نكافح
فقوله "صابروا مثل صبرنا" أي صابروا العدو في الحرب ولم يبد منهم جبن ولا خور. والمكافحة : المواجهة والمقبلة في الحرب ؛ ولذلك اختلفوا في معنى قوله ﴿وَرَابِطُوا﴾ فقال جمهور الأمة : رابطوا أعدائكم بالخيل، أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداءكم ؛ ومنه قوله تعالى :﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال : ٦٠] وفي الموطأ عن مالك عن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم ؛ فكتب إليه عمر : أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله له بعدها فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله تعالى يقول في كتابه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وقال أبو سلمة بن عبدالرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة، ولم يكن في زمان رسول الله ﷺ غزو يرابط فيه ؛ رواه الحاكم أبو عبدالله في صحيحه. واحتج أبو سلمة بقوله عليه السلام :"ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" ثلاثا ؛ رواه مالك. قال ابن عطية : والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله. أصلها من ربط الخيل، ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا، فارسا كان أو راجلا. واللفظ مأخوذ من الربط. وقول النبي ﷺ "فذلكم الرباط" إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله. والرباط اللغوي هو الأول ؛ وهذا كقوله :"ليس الشديد بالصرعة" وقوله "ليس المسكين بهذا الطواف" إلى غير ذلك.


الصفحة التالية
Icon