الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}
روى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن عبدالرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي ﷺ بمكة فقالوا : يا نبي الله، كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة ؟ فقال :"إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم ". فلما حول الله تعالى إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا، فنزلت الآية. أخرجه النسائي في سننه، وقاله الكلبي. وقال مجاهد : هم يهود. قال الحسن : هي في المؤمنين ؛ لقوله :﴿يَخْشَوْنَ النَّاسَ﴾ أي مشركي مكة ﴿كَخَشْيَةِ اللَّهِ﴾ فهي على ما طبع عليه البشر من المخافة لا على المخالفة. قال السدي : هم قوم أسلموا قبل فرض القتال فلما فرض كرهوه. وقيل : هو وصف للمنافقين ؛ والمعنى يخشون القتل من المشركين كما يخشون الموت من الله. ﴿أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ أي عندهم وفي اعتقادهم.
قلت : وهذا أشبه بسياق الآية، لقوله :﴿وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ أي هلا، ولا يليها إلا الفعل. ومعاذ الله أن يصدر هذا القول من صحابي كريم يعلم أن الآجال محدودة والأرزاق مقسومة، بل كانوا لأوامر الله ممتثلين سامعين طائعين، يرون الوصول إلى الدار الآجلة خيرا من المقام في الدار العاجلة، على ما هو معروف من سيرتهم رضي الله عنهم. اللهم إلا أن يكون قائله ممن لم يرسخ في الإيمان قدمه، ولا انشرح بالإسلام جنانه، فإن أهل الإيمان متفاضلون فمنهم الكامل ومنهم الناقص، وهو الذي تنفر نفسه عما يؤمر به فيما تلحقه فيه المشقة وتدركه فيه الشدة. والله أعلم.
قوله تعالى :﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ ابتداء وخبر. وكذا ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾ أي المعاصي ؛ وقد مضى القول في هذا في "البقرة" ومتاع الدنيا منفعتها والاستمتاع بلذاتها


الصفحة التالية
Icon