الرابعة : وإذا تنزلنا على قول مالك والسدي في أنها بروج السماء، فبروج الفلك اثنا عشر برجا مشيدة من الرفع، وهي الكواكب العظام. وقيل للكواكب بروج لظهورها، من برج يبرج إذا ظهر وارتفع ؛ ومنه قوله :﴿وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ وخلقها الله تعالى منازل للشمس والقمر وقدره فيها، ورتب الأزمنة عليها، وجعلها جنوبية وشمالية دليلا على المصالح وعلما على القبلة، وطريقا إلى تحصيل آناء الليل وآناء النهار لمعرفة أوقات التهجد غير ذلك من أحوال المعاش.
قوله تعالى :﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أي إن يصب المنافقين خصب قالوا : هذا من عند الله. ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ أي جدب ومحل قالوا : هذا من عندك، أي أصابنا ذلك بشؤمك وشؤم أصحابك. وقيل : الحسنة السلامة والأمن، والسيئة الأمراض والخوف. وقيل : الحسنة الغنى، والسيئة الفقر. وقيل : الحسنة النعمة والفتح والغنيمة يوم بدر، والسيئة البلية والشدة والقتل يوم أحد. وقيل : الحسنة السراء، والسيئة الضراء. هذه أقوال المفسرين وعلماء التأويل - ابن عباس وغيره - في الآية. وأنها نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنها لما قدم رسول الله ﷺ المدينة عليهم قالوا : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه. قال ابن عباس : ومعنى ﴿مِنْ عِنْدِكَ﴾ أي بسوء تدبيرك. وقيل :﴿مِنْ عِنْدِكَ﴾ بشؤمك، كما ذكرنا، أي بشؤمك الذي لحقنا، قالوه على جهة التطير. قال الله تعالى :﴿قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أي الشدة والرخاء والظفر والهزيمة من عند الله، أي بقضاء الله وقدره. ﴿فمال هؤلاء القوم﴾ يعني المنافقين ﴿لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ أي ما شأنهم لا يفقهون أن كلا من عند الله.
٧٩- ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾