أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك "فهذه قراءة على التفسير، وقد أثبتها بعض أهل الزيغ من القرآن، والحديث بذلك عن ابن مسعود وأبي منقطع ؛ لأن مجاهدا لم ير عبدالله ولا أبيا. وعلى قول من قال : الحسنة الفتح والغنيمة يوم بدر، والسيئة ما أصابهم يوم أحد ؛ أنهم عوقبوا عند خلاف الرماة الذين أمرهم رسول الله ﷺ أن يحموا ظهره ولا يبرحوا من مكانهم، فرأوا الهزيمة على قريش والمسلمون يغنمون أموالهم فتركوا مصافهم، فنظر خالد بن الوليد وكان مع الكفار يومئذ ظهر رسول الله ﷺ قد انكشف من الرماة فأخذ سرية من الخيل ودار حتى صار خلف المسلمين وحمل عليهم، ولم يكن خلف رسول الله ﷺ من الرماة إلا صاحب الراية، حفظ وصية رسول الله ﷺ فوقف حتى استشهد مكانه ؛ على ما تقدم في "آل عمران "بيانه. فأنزل الله تعالى نظير هذه الآية وهو قوله تعالى :﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ يعني يوم أحد ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ يعني يوم بدر ﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾. ولا يجوز أن تكون الحسنة ههنا الطاعة والسيئة المعصية كما قالت القدرية ؛ إذ لو كان كذلك لكان ما أصبت كما قدمنا، إذ هو بمعنى الفعل عندهم والكسب عندنا، وإنما تكون الحسنة الطاعة والسيئة المعصية في نحو قوله :﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ وأما في هذه الآية فهي كما تقدم شرحنا له من الخصب والجدب والرخاء والشدة على نحو ما جاء في آية "الأعراف "وهي قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾. "بالسنين "بالجدب سنة بعد سنة ؛ حبس المطر عنهم فنقصت ثمارهم وغلت أسعارهم. ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ أي يتشاءمون بهم ويقولون هذا من أجل أتباعنا لك وطاعتنا إياك ؛ فرد الله عليهم بقوله :﴿أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ يعني أن طائر البركة وطائر الشؤم من الخير والشر والنفع والضر من الله تعالى لا صنع فيه لمخلوق ؛ فكذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم أنهم يضيفونه للنبي صلى الله عليه وسلم