فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ أي تمنوا أن تكونوا كهم في الكفر والنفاق شرع سواء ؛ فأمر الله تعالى بالبراءة منهم فقال :﴿فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ ؛ كما قال تعالى :﴿مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ والهجرة أنواع : منها الهجرة إلى المدينة لنصرة النبي ﷺ، وكانت هذه واجبة أول الإسلام حتى قال :"لا هجرة بعد الفتح ". وكذلك هجرة المنافقين مع النبي ﷺ في الغزوات، وهجره من أسلم في دار الحرب فإنها واجبة. وهجرة المسلم ما حرم الله عليه ؛ كما قال ﷺ :"والمهاجر من هجر ما حرم الله عليه ". وهاتان الهجرتان ثابتتان الآن. وهجرة أهل المعاصي حتى يرجعوا تأديبا لهم فلا يكلمون ولا يخالطون حتى يتوبوا ؛ كما فعل النبي ﷺ مع كعب وصاحبيه. ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ﴾ يقول : إن أعرضوا عن التوحيد والهجرة فأسروهم واقتلوهم. ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ عام في الأماكن من حل وحرم. والله أعلم. ثم استثنى وهي :
الثانية : فقال تعالى :﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ﴾ استثناء أي يتصلون بهم ويدخلون فيما بينهم من الجوار والحلف ؛ المعنى : فلا تقتلوا قوما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد فإنهم على عهدهم ثم انتسخت العهود فانتسخ هذا. هذا قول مجاهد وابن زيد وغيرهم، وهو أصح ما قيل في معنى الآية. قال أبو عبيد : يصلون ينتسبون ؛ ومنه قول الأعشى :

إذا اتصلت قالت لبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغم
يريد إذا انتسبت. قال المهدوي : وأنكره العلماء ؛ لأن النسب لا يمنع من قتال الكفار وقتلهم. وقال النحاس : وهذا غلط عظيم ؛ لأنه يذهب إلى أن الله تعالى حظر أن يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب، والمشركون قد كان بينهم وبين السابقين الأولين أنساب، وأشد من هذا الجهل بأنه كان ثم نسخ ؛ لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له "براءة "وإنما نزلت "براءة" بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب. وقال معناه الطبري.


الصفحة التالية
Icon