"وتبينوا "في هذا أوكد ؛ لأن الإنسان قد يتثبت ولا يبين. وفي "إذا "معنى الشرط، فلذلك دخلت الفاء في قوله "فتبينوا". وقد يجازى بها كما قال :
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
والجيد ألا يجازى بها كما قال الشاعر :

والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع
والتبين التثبت في القتل واجب حضرا وسفرا ولا خلاف فيه، وإنما خص السفر بالذكر لأن الحادثة التي فيها نزلت الآية وقعت في السفر.
الثالثة : قوله تعالى :﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾ السلم والسلم، والسلام واحد، قال البخاري. وقرئ بها كلها. واختار أبو عبيد القاسم بن سلام "السلام". وخالفه أهل النظر فقالوا :"السلم "ههنا أشبه ؛ لأنه بمعنى الانقياد والتسليم، كما قال عز وجل :﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ فالسلم الاستسلام والانقياد. أي لا تقولوا لمن ألقى بيده واستسلم لكم وأظهر دعوتكم لست مؤمنا. وقيل : السلام قول السلام عليكم، وهو راجع إلى الأول ؛ لأن سلامه بتحية الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده، ويحتمل أن يراد به الانحياز والترك. قال الأخفش : يقال فلان سلام إذا كان لا يخالط أحدا. والسلم "بشد السين وكسرها وسكون اللام" الصلح.
الرابعة : وروي عن أبي جعفر أنه قرأ "لست مؤمَنا "بفتح الميم الثانية، من آمنته إذا أجرته فهو مؤمن.
الخامسة : والمسلم إذا لقي الكافر ولا عهد له جاز له قتله ؛ فإن قال : لا إله إلا الله لم يجز قتله ؛ لأنه قد اعتصم بعصام الإسلام المانع من دمه وماله وأهله : فإن قتله بعد ذلك قتل به. وإنما سقط القتل عن هؤلاء لأجل أنهم كانوا في صدر الإسلام وتأولوا أنه قالها متعوذا وخوفا من السلاح، وأن العاصم قولها مطمئنا، فأخبر النبي ﷺ أنه عاصم


الصفحة التالية
Icon