وليس في ذلك أن الإيمان هو الإقرار فقط ؛ ألا ترى أن المنافقين كانوا يقولون هذا القول وليسوا بمؤمنين حسب ما تقدم بيانه في "البقرة "وقد كشف البيان في هذا قوله عليه السلام :"أفلا شققت عن قلبه " ؟ فثبت أن الإيمان هو الإقرار وغيره، وأن حقيقته التصديق بالقلب، ولكن ليس للعبد طريق إليه إلا ما سمع منه فقط. واستدل بهذا أيضا من قال : إن الزنديق تقبل توبته إذا أظهر الإسلام ؛ قال : لأن الله تعالى لم يفرق بين الزنديق وغيره متى أظهر الإسلام. وقد مضى القول في هذا في أول البقرة. وفيها رد على القدرية، فإن الله تعالى أخبر أنه من على المؤمنين من بين جميع الخلق بأن خصهم بالتوفيق، والقدرية تقول : خلقهم كلهم للإيمان. ولو كان كما زعموا لما كان لاختصاص المؤمنين بالمنة من بين الخلق معنى.
الحادية عشرة : قوله تعالى :﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ أعاد الأمر بالتبيين للتأكيد. ﴿ِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ تحذير عن مخالفة أمر الله ؛ أي احفظوا أنفسكم وجنبوها الزلل الموبق لكم.
٩٥- ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾
٩٦- ﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال ابن عباس : لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها. ثم قال :﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ والضرر الزمانة. روى الأئمة واللفظ لأبي داود عن زيد بن ثابت قال : كنت إلى جنب رسول الله ﷺ فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله ﷺ على فخذي، فما وجدت ثقل شيء