وقرأ أهل الحرمين "غير "بالنصب على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين ؛ أي إلا أولي الضرر فإنهم يستوون مع المجاهدين. وإن شئت على الحال من القاعدين ؛ أي لا يستوي القاعدون من الأصحاء أي في حال صحتهم ؛ وجازت الحال منهم ؛ لأن لفظهم لفظ المعرفة، وهو كما تقول : جاءني زيد غير مريض. وما ذكرناه من سبب النزول يدل على معنى النصب، والله أعلم.
الخامسة : قوله تعالى :﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ وقد قال بعد هذا :﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً﴾ فقال قوم : التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد. وقيل : فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة واحدة، وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير عذر درجات ؛ قال ابن جريج والسدي وغيرهما. وقيل : إن معنى درجة علو، أي أعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح والتقريظ. فهذا معنى درجة، ودرجات يعني في الجنة. قال ابن محيريز : سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرس الجواد سبعين سنة. و"درجات "بدل من أجر وتفسير له، ويجوز نصبه أيضا على تقدير الظرف ؛ أي فضلهم بدرجات، ويجوز أن يكون توكيدا لقول ﴿أَجْراً عَظِيماً﴾ لأن الأجر العظيم هو الدرجات والمغفرة والرحمة، ويجوز الرفع ؛ أي ذلك درجات. و"أجرا "نصب بـ "فضل "وإن شئت كان مصدرا وهو أحسن، ولا ينتصب بـ "فضل "لأنه قد استوفى مفعوليه وهما قوله :"المجاهدين "و "على القاعدين " ؛ وكذا "درجة". فالدرجات منازل بعضها أعلى من بعض. وفي الصحيح عن النبي ﷺ "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ". ﴿وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ "كلا "منصوب بـ "وعد "و "الحسنى "الجنة ؛ أي وعد الله كلا الحسنى. ثم قيل : المراد "بكل " المجاهدون خاصة. وقيل : المجاهدون وأولو الضرر. والله أعلم.