القتال، وإِياسٌ من النصر. ثم جهلوا صفة الرب تبارك وتعالى فقالوا ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ ﴾ وصفوه بالذهاب والانتقال، والله متعال عن ذلك. وهذا يدل على أنهم كانوا مشبهة ؛ وهو معنى قول الحسن ؛ لأنه قال : هو كفر منهم بالله، وهو الأظهر في معنى الكلام. وقيل : أي إن نصرة ربك لك أحق من نصرتنا، وقتاله معك - إن كنت رسوله - أولى من قتالنا ؛ فعلى هذا يكون ذلك منهم كفر ؛ لأنهم شكوا في رسالته. وقيل المعنى : أذهب أنت فقاتل وليعنك ربك. وقيل : أرادوا بالرب هارون، وكان أكبر من موسى وكان موسى يطيعه. وبالجملة فقد فسقوا بقولهم ؛ لقوله تعالى :﴿ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ أي لا تحزن عليهم. ﴿ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ أي لا نبرح ولا نقاتل. ويجوز ﴿ َقَاعِدُينَ﴾ على الحال ؛ لأن الكلام قد تم قبله.
قوله تعالى :﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي ﴾ لأنه كان يطيعه. وقيل المعنى : إني لا أملك إلا نفسي، ثم ابتدأ فقال :﴿ وَأَخِي ﴾. أي وأخي أيضا لا يملك إلا نفسه ؛ فأخي على القول الأول في موضع نصب عطفا على نفسي، وعلى الثاني في موضع رفع، وإن شئت عطفت على اسم إن وهي الياء ؛ أي إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا. وإن شئت عطفت على المضمر في أملك كأنه قال : لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا. ﴿ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ يقال : بأي وجه سأله الفرق بينه وبين هؤلاء القوم ؟ ففيه أجوبة ؛ الأول : بما يدل على بعدهم عن الحق، وذهابهم عن الصواب فيما ارتكبوا من العصيان ؛ ولذلك ألقوا في التيه. الثاني : بطلب التمييز أي ميزنا عن جماعتهم وجملتهم ولا تلحقنا بهم في العقاب، وقيل المعنى : فاقض بيننا وبينهم بعصمتك إيانا من العصيان الذي ابتليتهم به ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ أي يقضي. وقد فعل لما أماتهم في التيه. وقيل : إنما أراد في الآخرة، أي اجعلنا في الجنة ولا تجعلنا معهم في النار ؛ والشاهد على الفرق الذي يدل على المباعدة في الأحوال قول الشاعر :
يا رب فافرق بينه وبيني | أشد ما فرقت بين اثنين |