بعد ما قتلهم. وروي عن ابن عباس والضحاك : أنها نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله ﷺ عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض. وفي مصنف أبي داود عن ابن عباس قال :﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ﴾ إلى قوله :﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ نزلت هذه الآية في المشركين فمن أخذ منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه. وممن قال : إن الآية نزلت في المشركين عكرمة والحسن، وهذا ضعيف يرده قوله تعالى :﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾، وقوله عليه الصلاة والسلام :"الإسلام يهدم ما قبله" أخرجه مسلم ؛ والصحيح الأول لنصوص الأحاديث الثابتة في ذلك.
وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي : الآية نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع السبيل ويسعى في الأرض بالفساد. قال ابن المنذر : قول مالك صحيح، وقال أبو ثور محتجا لهذا القول : وفي الآية دليل على أنها نزلت في غير أهل الشرك ؛ وهو قوله جل ثناؤه :﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم ؛ فدل ذلك على أن الآية نزلت في أهل الإسلام. وحكى الطبري عن بعض أهل العلم : أن هذه الآية نسخت فعل النبي ﷺ في العرنيين، فوقف الأمر على هذه الحدود. وروى محمد بن سيرين قال : كان هذا قبل أن تنزل الحدود ؛ يعني حديث أنس ؛ ذكره أبو داود. وقال قوم منهم الليث بن سعد : ما فعله النبي ﷺ بوفد عرينة نسخ ؛ إذ لا يجوز التمثيل بالمرتد. قال أبو الزناد : إن رسول الله ﷺ لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله عز وجل في ذلك ؛ فأنزل الله تعالى في ذلك ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا﴾ الآية. أخرجه أبو داود. قال أبو الزناد : فلما وعظ ونهي عن المثلة لم يعد. وحكي عن جماعة أن هذه الآية ليست بناسخة لذلك الفعل ؛ لأن ذلك وقع في مرتدين،