الحد لله ما أتلف للعباد، وأما ما احتج به علماؤنا من الحديث "إذا كان معسرا" فبه احتج الكوفيون وهو قول الطبري، ولا حجة فيه ؛ رواه النسائي والدارقطني عن عبدالرحمن بن عوف. قال أبو عمر : هذا حديث ليس بالقوي ولا تقوم به حجة، وقال ابن العربي : وهذا حديث باطل. وقال الطبري : القياس أن عليه غرم ما استهلك. ولكن تركنا ذلك اتباعا للأثر في ذلك. قال أبو عمر : ترك القياس لضعيف الأثر غير جائز ؛ لأن الضعيف لا يوجب حكما.
التاسعة- واختلف في قطع يد من سرق المال من الذي سرقه ؛ فقال علماؤنا : يقطع. وقال الشافعي : لا يقطع ؛ لأنه سرق من غير مالك ومن غير حرز. وقال علماؤنا : حرمة المالك عليه باقية لم تنقطع عنه، ويد السارق كلا يد، كالغاصب لو سرق منه المال المغصوب قطع، فإن قيل : اجعلوا حرزه بلا حرز ؛ قلنا : الحرز قائم والملك قائم ولم يبطل الملك فيه فيقولوا لنا أبطلوا الحرز.
العاشرة- واختلفوا إذا كرر السرقة بعد القطع في العين المسروقة ؛ فقال الأكثر : يقطع. وقال أبو حنيفة : لا قطع عليه. وعموم القرآن يوجب عليه القطع، وهو يرد قوله. وقال أبو حنيفة أيضا في السارق يملك الشيء المسروق بشراء أو هبة قبل القطع : فإنه لا يقطع، والله تعالى يقول :﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ فإذا وجب القطع حقا لله تعالى لم يسقطه شيء.
الحادية عشرة- قرأ الجمهور ﴿وَالسَّارِقُ﴾ بالرفع. قال سيبويه : المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة. وقيل : الرفع فيهما على الابتداء والخبر ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾. وليس القصد إلى معين إذ لو قصد معينا لوجب النصب ؛ تقول : زيدا اضربه ؛ بل هو كقولك : من سرق فاقطع يده. قال الزجاج : وهذا القول هو المختار. وقرئ ﴿وَالسَّارِقَ﴾ بالنصب فيهما على تقدير اقطعوا السارق والسارقة ؛ وهو اختيار سيبويه ؛ لأن الفعل بالأمر أولى ؛ قال سيبويه رحمه الله تعالى : الوجه في كلام العرب النصب ؛ كما تقول : زيدا اضربه ؛ ولكن